وقوله : (يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ) قيّد بقوله : (وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِما شاءَ).
فأمّا قوله : (لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) فقد عرفت فيما مرّ معنى ملكه تعالى للموجودات ، إلّا أنّ بين قوله : (لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) وقوله : (لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) (١) فرقا ؛ وهو أنّ «اللام» يفيد الاختصاص الملكي مع التدبير ، فينطبق على معنى الربوبيّة ، والربوبيّة أنسب لمعنى القيمومة من الملك فقط ، وهو ظاهر.
فيستقيم حينئذ استدراك مسألة الشفاعة ؛ إذ لا مزاحمة بين كون الملك له سبحانه ، وبين وجود شافع هناك ، بخلاف الربوبيّة والتدبير فالشفاعة تزاحمها ظاهرا ؛ حيث إنّها تنقض إبرام التدبير من المشفوع عنده ، فدفع الوهم : بأنّ الشفاعة لو ثبتت فإنّما هي بإذنه ، فهي من شؤون تدبير الربوبيّة فالشفاعة ـ كنفس الشفيع والمشفوع له ـ غير خارجة عن دائرة الربوبيّة وحيطتها ، فافهم.
وأمّا قوله تعالى : (يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ)
فما بين الأيدي : هو المشاهد المعلوم ، بخلاف الخلف الذي يغفل عنه ، فينطبق بعض الانطباق على الشهادة والغيب ، وهو الأنسب لمعنى قوله : (لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) فعلم المربّي المدبّر بمدبّره ـ بالفتح ـ وإن كان لازما في التدبير ، لكنّ علمه بما بين يدي المدبّر ـ بالفتح ـ وما يرتبط به من الماضي والمستقبل ألزم ؛ وإلّا لم يتمّ التدبير وكان في معرض البطلان والفساد.
__________________
(١). البقرة (٢) : ١٠٧.