وإن كان رجوعا لكنّه من قبيل رجوع المثال إلى الممثّل.
ويقرب من هذا المعنى قوله سبحانه : (وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) ، (١) وقوله سبحانه : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً). (٢)
ومن هذا القبيل أيضا قوله : (فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ) فالتأويل المذكور إمّا تأويل جملة الكتاب ، أو خصوص المتشابه ، وابتغاؤهم ذلك إنّما هو بالإتّباع ، فمورده آية مسوقة للعمل أو الأعمّ منه ومن الإعتقاد ، فالتأويل تأويل الحكم لا تأويل الخبر.
فظهر أنّ تأويل الآية غير رجوعها إلى آية اخرى ، وغير تحقّقها بتحقّق ما أخبر بها في الخارج.
وأيّا ما كان ، فقد قصر العلم به بنفسه سبحانه ، إذ قال : (وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ).
وأمّا قوله : (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) فظاهره أنّه كلام مستأنف ، (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) مبتدأ خبره قوله : (يَقُولُونَ) وليس بعطف على المستثنى كما يفيده المقابلة بين قوله : (فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ) ، وقوله : (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا) ثمّ قوله : (وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ) فسمّاه تذكّرا فهو في مساق قوله : (أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ
__________________
(١). الإسراء (١٧) : ٣٥.
(٢). النساء (٤) : ٥٩.