هُوَ أَعْمى إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ) ، (١) فهم إنّما قالوا : (آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا) في مقام تسليم ما لم يحيطوا بعلمه عند ما لم يحيطوا إلّا بعد الكشف عن نقاب التأويل ، ولم يقولوا : آمنّا به هو من عند ربّنا ، بل قالوا : كلّ من عند ربّنا ، فخلطوا المحكم بالمتشابه ، وسلّموا الجميع تسليما ، هذا.
ولو كان عطفا على المستثنى ، وكان المراد أنّ العلم بالتأويل مخصوص بالله والراسخين في العلم ، لم يكن لذكره تعالى في ضمن الحصر فائدة ولا نكتة ملائمة ، إلّا ما يمكن أن يقال : إنّ ذلك لتعظيم شأن هذا العلم وتمجيده ، أو لتشريف العالمين بالتأويل وهم الراسخون في العلم ، حيث عدّ نفسه فيهم بتشريكهم معه ، ولو كان ذلك كذلك لم يهمل تعالى ذكر نبيّه معه والتصريح به كما في نظائره ، قال سبحانه : (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) ، (٢) وقال تعالى : (وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ) ، (٣) وقال : (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ) ، (٤) فترى كلّ مورد يبيّن فيه حكم فيه ذكر من الله وأوليائه من المؤمنين يشرّف فيه نبيّه ـ صلىاللهعليهوآله ـ بتخصيصه من بينهم بالذكر وحده ، ثمّ ذكرهم جميعا ، وقريب منها قوله : (ثُمَّ أَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ) ، (٥) وقوله : (آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ) ، (٦)
__________________
(١). الرعد (١٣) : ١٩.
(٢). النساء (٤) : ٥٩.
(٣). النساء (٤) : ٨٣.
(٤). المنافقون (٦٣) : ٨.
(٥). التوبة (٩) : ٢٦.
(٦). البقرة (٢) : ٢٨٥.