وما يقال : إنّ حبّ الشيء يعمي ويصمّ. (١)
ولذلك نرى أنّ الإنسان يتحمّل في جنب المحبّ من البلايا والمحن والأذايا ما لا يتحمّل ، ولا يسيرا منه لو لا الحبّ ، وليس ذلك إلّا لأنّ انجذاب النفس إلى المحبوب واشتغالها به واجتماع إدراكها فيه يوجب ضعف إدراكها لصور البلايا والمحن والمكاره.
والغاية في هذه الجذبة المسمّاة ب : «الحبّ» هي المحبوب ، على حسب ما يليق به من الوجود للمحبّ ووصوله إليه ، ففي المطاعم والمشارب : أكلها وشربها ، وفي النساء : ازدواجها ، وفي المال : التملّك به ، وفي العلم : تعلّمه ، وفي الجاه : وجدانه وحيازته وهكذا.
وإذا كان الحبّ شيئا وجدانيّا إداركيّا ، كانت غاية الحبّ هي غاية المحبّ بعينها ، فغاية الحبّ هي الوصول إلى المحبوب وأن لا يحجبه عنه حاجب ، أي أن لا يشتغل نفسه بإدراك ما يمنع إدراكه عن إدراك المحبوب بوجه.
وإذا أمعنّا وجدنا أنّ نهاية الفوز بالمحبوب أن ينسى المحبّ نفسه في جنبه بعد ارتفاع سائر الحجب المانعة.
ومن هنا ما يقال : إنّ غاية الحبّ فناء.
ولما مرّ ، كان أشهى الأشياء عند المحبّ ارتفاع الحجب المانعة ، ولا بشرى عنده أحبّ من بشرى حبّ المحبوب له ، فإنّه بشرى انجذاب متعاكس وقرب مطلوب.
__________________
(١). لم نجده في المجامع الروائية بهذا اللفظ ولكن في الكافي ٢ : ١٣٦ ، الحديث : ٢٣ : «فانّ حبّ الدنيا يعمي ويصم» ، وفي من لا يحضره الفقيه ٤ : ٣٨٠ ، الحديث : ٥٨١٤ : «حبكّ للشيء يعمي ويصم» ، وراجع : الميزان في تفسير القرآن ١ : ٣٧٤.