وتكامل العلوم ، كان كلّ اجتماع متكوّن بين الناس ـ حتّى الإجتماعات المحكمة البنيان ـ في معرض الانهدام ، سائرة نحو الفناء والزوال ، يشهد بذلك التاريخ وما اعتورته الأيّام من أحوال الامم.
لكنّ الإسلام حيث جعل الغاية في الاجتماع الديني هو الله سبحانه كما قال : (قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي) ، (١) وهو سبحانه هدف ثابت ، غير متغيّر ولا هالك ، طاهر من شوب النقائص والعيوب ، قال تعالى : (ما عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَما عِنْدَ اللهِ باقٍ) ، (٢) وقال : (وَما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) ، (٣) والإنسان إذا اتّبع غرضا له يريد أن يحصّله كان من الواجب في الطبيعة أن يكون عنده من العلم ما يميّز به غرضه عن غيره ، وما يصلحه وما يفسده ، ومن القوّة العاملة ما يحرّكه إليه وما يصرفه عن خلافه ، والصناعة والاعتبار تتشبّه بالطبيعة ، كان من الواجب أن يكون في الاجتماع علم بالغرض الاجتماعي مبثوث على جميع أجزائه ، وقوّة عاملة تبعث الهيئة إلى الواجب من غرضه ، وتصرفها عن ما يضرّه ويفسده.
وهذان في عرصة الاجتماع الديني ، علم الدين والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، كما قال سبحانه : (يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ).
ومن هنا يظهر أنّ هذين الأمرين أهمّ الواجبات النوعيّة من بين جميعها ؛ إذ هما الركنان الحافظان لبنيان الاجتماع الديني ، ومع اختلال أحدهما يختلّ
__________________
(١). يوسف (١٢) : ١٠٨.
(٢). النحل (١٦) : ٩٦.
(٣). العنكبوت (٢٩) : ٦٤.