أقول : وقد مرّ تفصيل القصّة عن المجمع (١) عن الباقر ـ عليهالسلام ـ في سورة آل عمران عند قوله : (الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ) (٢) ، فهذه الآيات نازلة في وقعة بدر الصغرى مع تلك ، وإنّما تجزّأت وتفرّقت في التأليف.
فإن قلت : ما معنى الاستثناء بقوله : (إِلَّا قَلِيلاً) مع أنّ للحكم عموما حقيقيّا بالاستغراق ؛ إذ لو لا فضل الله لم يقدر أحد أن يجتنب كيد الشيطان كما قال سبحانه في محلّ آخر : (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ ما زَكى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً) (٣).
قلت : المراد بالشيطان ها هنا نعيم بن مسعود الأشجعي ؛ إذ بعثه أبو سفيان إلى المدينة ليثبّط الناس ويخذلهم عن رسول الله ـ صلىاللهعليهوآله ـ (٤) كما مرّ في سورة آل عمران عند قوله : (الشَّيْطانُ يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ فَلا تَخافُوهُمْ وَخافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (٥). والمعنى : ولو لا فضله ورحمته عليكم لركنتم إلى قول نعيم وتخلّفتم عن الخروج إلّا قليلا منكم ، وهو رسول الله خاصّة وخاصّته ، حيث قال ـ صلىاللهعليهوآله ـ : «والله لأخرجنّ ولو وحدي» (٦) ، فهيّج قوله نفرا من المسلمين فخرجوا معه.
__________________
(١). مجمع البيان ٣ : ١٤٥.
(٢). آل عمران (٣) : ١٧٣.
(٣). النور (٢٤) : ٢١.
(٤). راجع : تفسير القمّي ١ : ١٠ ، ١٢٥ ؛ و ٢ : ١٨١.
(٥). آل عمران (٣) : ١٧٥.
(٦). راجع : بحار الأنوار ٢٠ : ٤١ ؛ الصحيح من السيرة ٨ : ٢٦٧ ؛ مجمع البيان ٢ : ٤٤٩ ؛ نور الثقلين ١ : ٤١٢.