وفي تفسير العياشي عن الباقر ـ عليهالسلام ـ : «قال رسول الله ـ صلىاللهعليهوآله ـ : والذي نفسي بيده لتركبن سنن من كان قبلكم حذو النعل بالنعل والقذّة بالقذّة حتى لا تخطئون طريقهم ولا يخطئكم سنّة بني إسرائيل» (١).
أقول : وهذا المعنى على كونه متفقا على روايته بين الفريقين جميعا مستفاد من كلامه سبحانه ، فالناطق إذا كان عاقلا في تربيته ، ناصحا في عظته متقنا في أمره ، إنّما يرشد مسترشديه إلى ما في وسعهم الاسترشاد به ، ويحذّرهم من موارد الهلكة ومزالق العثرة ما هم في مظنّة الإبتلاء به والوقوع فيه ، وإذا نزّل كلامه سبحانه هذه المنزلة وهو بها أحق أنتج ذلك أنّ ما قصّه ومثّل به من سنن الأمم الماضية ، وحذّرهم ونهاهم عن أمثالها ، سيطلع في مطالع هذه الأمة بعد غروبها بغروب الأمم الغابرة ، وستحلّ في ديارنا ظلماتها ، كما حلّت في ديار غيرنا في الأيام الخالية ، (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ) (٢).
وقد تعرّض سبحانه في هذه السورة التي يحثّ فيها على شكر نعمه وحفظ مواثيقه جميل ما جرى على بني إسرائيل من ذلك ، ولذلك خصّ تعالى بني اسرائيل بالتصريح من بين سائر الأمم.
على أنّه قد مرّ في سورة البقرة عند قوله : (كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً) (٣) ، إنّ هذا الدين جامع لجميع الأديان السابقة ، وسيجيء في الكلام على معنى الإمتحان
__________________
(١). تفسير العيّاشي ١ : ٣٠٣.
(٢). آل عمران (٣) : ١٤٠.
(٣). البقرة (٢) : ٢١٣.