قوله سبحانه : (إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا)
معنى محاربتهم الله ورسوله هو سعيهم بالفساد فإنّه نقض غرض الخلقة والبعثة.
فإنّ غرض الخلقة هو حياة الإنسان وبقائهم في الأرض ، قال تعالى : (وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ) (١) وقال : (فِيها تَحْيَوْنَ وَفِيها تَمُوتُونَ) (٢) إلى غير ذلك وغرض البعثة صلاح النظام.
وقد مرّ اقتناص حدّ الدين في سورة البقرة من قوله : (كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً) (٣) ، أنّه نحو سلوك دنيويّ يتضمّن صلاح الدنيا بما يوافق الكمال الأخروي ، فقوله : (وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً) بيان لما قبله.
ولهذا الذي ذكر جمع في الآية بين الحدّ والعذاب الأخروي ، فقد ورد في كثير من الحدود أنّ الله تعالى أجلّ من أن يجمع له عذاب الدنيا وعذاب الآخرة ، ففي الآية جهات من التشديد : عدّهم محاربين لله ورسوله ، والجمع لهم بين العذابين والتشديد بقوله : (يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ) من باب التفعيل فمعناه الإبادة والشيوع ، لقولهم : ماتت الإبل وموّتت الآبال ، أي شاع فيها الموت وأبادها.
وفي الكافي عن الصادق ـ عليهالسلام ـ : «قدم على رسول الله ـ صلىاللهعليهوآله ـ قوم من بني ضبة مرضى ، فقال لهم رسول الله ـ صلىاللهعليهوآله ـ : أقيموا عندي فإذا برأتم بعثتكم في سريّة فقالوا : أخرجنا من المدينة فبعث بهم إلى إبل الصدقة يشربون من أبوالها ويأكلون من ألبانها ، فلمّا برئوا واشتدّوا قتلوا
__________________
(١). البقرة (٢) : ٣٦.
(٢). الأعراف (٧) : ٢٥.
(٣). البقرة (٢) : ٢١٣.