الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً) (١) ، وقوله : (وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ إِنَّهُ كانَ حُوباً كَبِيراً) ، أشفق الناس على أنفسهم ـ كما قيل ـ وخافوا خوفا شديدا حتّى أخرج عامّة من كان عنده يتيم إيّاه من داره خوفا من الابتلاء بالتصرّف في ماله أو التماسّ به حتّى نزل قوله تعالى : (وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ) (٢) ، فإذ كان الشأن هذا الشأن فقوله تعالى : (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى) ، على ظاهر تأليفه ووقوعه بعد الآية السابقة في معنى الترقّي للتشديد الواقع في الآية السابقة متمّ لها. والمعنى ـ والله أعلم ـ اتّقوا أموال اليتامى أن تأكلوها أو تصرّفوا فيها بالتبديل أو الضمّ إلى أموالكم حتّى أنّكم (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا) فيهنّ ولم تطب نفوسكم بذلك على ما هو الأغلب من تأخّر زمان رشدهنّ عن كونهنّ عرضة للنكاح فلا تخالطوهنّ بالنكاح وانكحوا نساء غيرهنّ. فالشرطيّة ، أعني قوله : (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ) ، في معنى قولنا : إن لم تطب نفوسكم من اليتامى فلا تنكحوهنّ وانكحوا نساء غيرهنّ ، فقوله : (فَانْكِحُوا) ، سادّ مسدّ الجزاء الحقيقي ، وقوله : (طابَ لَكُمْ) ، يغني عن ذكر الوصف للنساء أعني لفظ غيرهنّ ، ووضع قوله : (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا) ، موضع عدم طيب النفس من قبيل وضع السبب موضع المسبّب مع الإشعار بالمسبّب في ضمن الجزاء وهو قوله : (طابَ لَكُمْ).
__________________
(١). النساء (٤) : ١٠.
(٢). البقرة (٢) : ٢٢٠.