أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ).
تأديب في أداء الشهادة أن ينفي الإنسان عن نفسه حقيقة العلم ويرجعها إلى ربّه بعد ما يجد من نفسه أنّها كالمجبولة على الخطأ ، وبذلك صح اتّصال الآية بما قبلها من آية الشهادة ، وصح أيضا اتّصالهما بما قبل ما قبلها لاختتامه بقوله : (إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (١) ، فإنّه سبحانه مع تصريحه في مواضع من كلامه بشهادة الشهود يوم القيامة على الأعمال من النبيين والشهداء ، وكتب الأعمال والملائكة والقرناء والسؤال عن الناس أنفسهم يخصّ الإنباء يومئذ بنفسه ، لأن الأمر يومئذ لله جلّ شأنه كما سيجيء بيانه إن شاء الله العزيز ، وفيه رجوع إلى ما افتتحت به السورة من الحثّ على الوفاء بالعهود وشكر النعم.
وقد أخذ وصف الرسالة إذ قال : (يَجْمَعُ اللهُ الرُّسُلَ) (٢) دون النبوّة لأنّه الأنسب للسؤال بما أجابهم الناس في رسالتهم كما في قوله : (فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ) (٣) وكما في قوله : (وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ ما ذا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ) (٤). قوله : (وَوُضِعَ الْكِتابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَداءِ) (٥) ؛ فإنّه مقام الإنباء والشهادة ، والنبوّة من النبأ.
واعلم أنّ الآية مع ذلك ذو نظم عجيب ، إذ يقع السؤال عنه بماذا أجيبوا ،
__________________
(١). المائدة (١) : ١٠٥.
(٢). المائدة (٥) : ١٠٩.
(٣). الأعراف (٧) : ٦.
(٤). القصص (٢٨) : ٦٥.
(٥). الزمر (٣٩) : ٦٩.