فينفون مطلق العلم لأنفسهم ، وهذا نفسه علم ، ويعلّلون ذلك بأنّ الله علّام الغيوب ، والمسؤول عنه شهادة ليس بالغيب ، والرسل من الشهداء ، وهم مأذون لهم يوم القيامة في الكلام ومتكلّمون ، وبهذا يظهر أنّ السؤال غير السؤال ، والعلم غير العلم المتبادر عندنا ، وأنّه متعلّق بالغيب.
وتنحل العقدة بأنّ يوم القيامة ـ كما سيجيء بيانه ، وقد مرّ مرارا ـ يوم تنكشف عنده الحقائق فلا ملك يومئذ إلّا لله الواحد القهّار وتزول التملّكات المجازية التي ملّكها الله سبحانه في هذه الدار ، فلا يقع سؤال ولا يرد جواب إلّا عن حقيقة وبحقيقة ، فإذا سئل عن الشيء فقد سئل عن حقيقته بحقيقة العلم ، وحقيقة العلم ليست إلّا لله وحده ، وما عندنا من العلوم إنّما هي المتعلقة بالظواهر ، وأمّا حقيقته فهي مغيبة عنّا لا يعلمها إلّا علّام الغيوب ، ولذلك قالوا : (لا عِلْمَ لَنا) واقتصروا على ذلك ، ولم يجيبوا بمثل قول الملائكة حين سألهم الله عزّ اسمه عن الأسماء إذ قالوا : (سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) (١).
ولو لا أنّ الله سبحانه أثبت لهم أنفسهم إذ قال : (ما ذا أُجِبْتُمْ) لم يأتوا بقولهم (لَنا) ، فافهم ذلك.
ولا ينافي ذلك كون ما يتكلّمون به هناك كسائر الشهداء ، والذين آمنوا عن علم. فإنّما ذلك لهم بتعليم الله سبحانه ، وهذا التعليم ليس على حدّ التعليمات التي عندنا فإنّ المتعلّم منّا يصير بالتعلّم ظرفا للعلم كمعلّمه على حد سواء ، بل على حدّ ما بالذات ، وما بالعرض ، فإن ذلك معنى ملكه سبحانه لكل ما يملكه
__________________
(١). البقرة (٢) : ٣٢.