الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ).
ولذا كان عليهالسلام وجيها في الدنيا والآخرة ، والوجاهة في الإنسان أن يكون ذا وجه عند العظماء ، ويكون الحرمة والكرامة التي له عند نفسه محفوظة غير ساقطة إذا وجّه به العظماء ، فهي من مقامات الصدق ، فافهم ذلك.
وكيف كان فهو عليهالسلام بدء في الجواب بقوله : (سُبْحانَكَ) ، على ما هو أدب العبودية إذا سمع العبد ما فيه شائبة النقص لربّه ولو توهّما فعليه التسبيح ، كما أنّ الأدب منه إذا سمع لنفسه ما فيه شائبة الكمال أن يحمد الله تعالى ، ثم لم ينف القول عن نفسه وإن كان منفيّا لتصديقه بقوله : (هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ) ، وهو ـ عليهالسلام ـ أيضا في مقام نفيه لما فيه من تسليم إمكان توهّمه ، فإذا قال السيد لخادمه ، لم فعلت ما لم آمرك به؟ فقول العبد : ما فعلت ، تسليم لإمكان فعله ، وإذا قال : ما كان لي أن أفعله ، فقد نفاه ونفى سببه.
وقد مرّ نظير الكلام في قوله : (وَما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) (١) من سورة البقرة ، فلم ينف عليهالسلام القول ، بل نفى سببه بقوله : (ما يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ ما لَيْسَ لِي بِحَقٍ) ، ثم أردف ـ عليهالسلام ـ ذلك بقوله : (إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ) ، وهو سبب آخر منفي وكالشاهد لقوله : (ما يَكُونُ لِي) ، وقد راعى فيه جانب الإستفهام ، فلم يأت ب : «لو» الشرطية الدالة على امتناع الجزاء لإمتناع الشرط ، بل بلفظة : «أنّ» الدالة على تعلّق الجزاء بالشرط فحسب ، ولو أتى : ب «لو» كان فيه إيماء إلى لغوية الإستفهام ، فافهم ذلك.
ثم علّل قوله : (إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ) ، بقوله : (تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي) ، فزاد في
__________________
(١). البقرة (٢) : ٥٧.