الإبلاغ أنّك تعلم فعلي وقولي وتعلم ما في نفسي ، إن كنت هممت بذلك أو أحببته ، فنفسي وما فيها مشهودة بارزة عندك ، وأنت علّام الغيوب.
فإن قلت : فما محل قوله : (وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ) ، ولا حاجة إليه في طرح الجواب؟
قلت : إتيانه لدفع شائبة الجرأة والإسترسال معه سبحانه ، والمقام ذلك المقام ، وإنّه يعلم من الله ما يعلمه منه عليهالسلام ، ثم عاد عليهالسلام إلى نفي القول منه فقال : (ما قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا ما أَمَرْتَنِي بِهِ) فلم ينفه أيضا صريحا بل في ضمن الحصر بكلمتي (ما) و (إلّا) ، والمراد ب «ما» الموصول في : (ما أَمَرْتَنِي بِهِ) القول وبيّن ذلك بقوله : (أَنِ اعْبُدُوا اللهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ) ليتخلّص عن شوب التكرير ، فقد كان اللازم أن يقال : ما قلت لهم إلّا ما أمرتني أن أقوله لهم ، وليكون أصرح وأبعد من اللبس ، وقد رام عليهالسلام في هذه الآية بيان أنه مأمور محض ، ليس له من الأمر شيء لا قولا ولا فعلا.
أما قولا فبيّنه بقوله : (ما قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا ما أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ) ، وأما فعلا فبقوله : (وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ) ، والشهيد شأنه على ما عرفت ، مشاهدة الأعمال لا مشاهدتها بظاهر محسوسها ، بل بحقيقتها ، ويشهد بذلك قوله : (فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ) ، فإنّ مفادها الحصر ، فالشهادة تشتمل على الرقابة وهي لا تلائم المحسوس من الأعمال الذي من شأننا إحساسها ، ثم قال : (وَأَنْتَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) أي : عمّت شهادتك لمن كنت شهيدا عليهم ولغيرهم ، وحينما كنت وحين لم أكن ، وبهذه الآية تمّ بيان الآية الاولى ، إذ ليس له إلّا الرسالة والشهادة ، وكلتاهما بعين الله عزّ اسمه ، ثم عاد إلى حال الناس فيما ادّعوه عليه فبيّن أن أمرهم إليه :