وحسن وصفه فى الخروج من النسيب إلى المديح وأطبقوا على أنه لا يحسنه ولا يأتى فيه بشيء ، وإنما اتفق له فى مواضع معدودة خروج يرتضى وتنقل يستحسن ، وكذلك يختلف سبيل غيره عند الخروج من شىء إلى شىء والتحوّل من باب إلى باب ، كالمتناسب والمتنافر فى الإفراد إلى حد الآحاد ، ويخرج به الكلام إلى حدّ العادة ويتجاوز العرف.
ومعنى خامس : فنظم القرآن وقع موقعا فى البلاغة يخرج عن عادة كلام الإنس والجن ، فهم يعجزون عن الإتيان بمثله كعجزنا ويقصرون دونه كقصورنا ، وقد قال الله عزوجل : (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً).
ومعنى سادس : وهو أن الذى ينقسم عليه الخطاب من البسيط والاختصار ، والجمع والتفريق ، والاستعارة والتصريح ، والتجوز والتحقيق ، ونحو ذلك من الوجوه التى توجد فى كلامهم موجودة فى القرآن ، وكل ذلك مما لا يتجاوز حدود كلامهم المعتاد بينهم فى الفصاحة والإبداع والبلاغة.
ومعنى سابع : وهو أن المعانى التى تتضمن فى أصل وضع الشريعة والأحكام والاحتجاجات فى أصل الدين والرد على الملحدين على تلك الألفاظ البديعة ، وموافقة بعضها بعضا فى اللطف والبراعة مما يتعذر على البشر ، ويمنع ذلك أنه قد علم أن تخير الألفاظ للمعانى المتداولة المألوفة والأسباب الدائرة بين الناس أسهل وأقرب من تخير الألفاظ لمعان مبتكرة ، وأسباب مؤسسة مستحدثة ، فلو أبرع اللفظ فى المعنى البارع كان ألطف وأعجب من أن يوجد اللفظ البارع فى المعنى المتداول المتكرّر والأمر المتقرّر المتصور. ثم إن انضاف إلى ذلك التصرّف البديع فى الوجوه التى تتضمن تأييد ما يبتدأ تأسيسه ويراد تحقيقه بأن التفاضل فى البراعة والفصاحة ، ثم إذا وجدت الألفاظ وفق المعنى والمعانى وفقها لا يفضل أحدهما على الآخر ، فالبراعة أظهر والفصاحة أتم.
ومعنى ثامن : وهو أن الكلام يبين فضله ورجحان فصاحته ، بأن نذكر منه الكلمة فى تضاعيف كلام أو نقذف ما بين شعر فتأخذه الأسماع وتتشوّق إليه