فأما الرجز فإنه يعرض فى كلام العوامّ كثيرا ، فإذا كان بيتا واحدا فليس ذلك بشعر ، وقد قيل إن أقل ما يكون منه شعرا أربعة أبيات بعد أن تتفق قوافيها ، ولم يتفق ذلك فى القرآن بحال ، فأما دون أربعة أبيات منه أو ما يجرى مجراه فى قلة الكلمات فليس بشعر.
وما اتفق فى ذلك من القرآن مختلف الروىّ. ويقولون : إنه متى اختلف الروى خرج من أن يكون شعرا.
ولو كان ذلك شعرا لكانت النفوس تتشوف إلى معارضته ، لأن طريق الشعر غير مستصعب على أهل الزمان الواحد ، وأهله يتقاربون فيه أو يضربون فيه بسهم.
فإن قيل : فى القرآن كلام موزون كوزن الشعر وإن كان غير مقفى ، بل هو مزاوج متساوى الضروب ، وذلك آخر أقسام كلام العرب.
قيل : من سبيل الموزون من كلام أن يتساوى أجزاؤه فى الطول والقصر والسواكن والحركات ، فإن خرج عن ذلك لم يكن موزونا كقوله : ربّ أخ كنت به مغتبطا أشدّ كفى بعرى صحبته تمسكا منى بالود ، ولا أحسبه يزهد فى ذى أمل تمسكا منى بالود ، ولا أحسبه يغير العهد ولا يحول عنه أبدا فخاب فيه أملى.
وقد علمنا أن هذا القرآن ليس من هذا القبيل ، بل هذا قبيل غير ممدوح ولا مقصود من جملة الفصيح ، وربما كان عندهم مستنكرا ، بل أكثره على ذلك.
وكذلك ليس فى القرآن من الموزون الذى وصفناه أولا ، وهو الذى شرطنا فيه التعادل والتساوى فى الأجزاء غير الاختلاف الواقع فى التقفية ، ويبين ذلك أن القرآن خارج عن الوزن الذى بينا ، وتتم فائدته بالخروج منه. وأما الكلام الموزون فإنه فائدته تتم يوزنه.