فقد آمن من هو أعلى منكم وأحسن إيمانا منكم. ويجوز أن يكون تعليلا لقل ، على سبيل التسلية للرسول ـ عليه الصلاة السلام ، كأنه يقول : تسلّ بإيمان العلماء عن إيمان الجهلة ، ولا تكثرت بإيمانهم وإعراضهم.
(وَيَقُولُونَ) فى سجودهم : (سُبْحانَ رَبِّنا) عن خلف وعده ؛ (إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولاً) أي : إن الأمر والشأن كان وعد ربنا مفعولا لا محالة ، (وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ) كرره ؛ لاختلاف السبب ، فإن الأول : لتعظيم الله وشكر إنجاز وعده. والثاني : لما أثر فيهم من مواعظ القرآن ، (يَبْكُونَ) : حال ، أي : حال كونهم باكين من خشية الله ، (وَيَزِيدُهُمْ) القرآن (خُشُوعاً) ، كما يزيدهم علما بالله تعالى.
الإشارة : وبالحق أنزلناه ، أي بالتعريف بأسرار الربوبية ، وبالحق نزل ؛ لتعليم آداب العبودية. أو : بالحق أنزلناه ، يعنى : علم الحقيقة ، وبالحق نزل علم الشريعة والطريقة. وما أرسلناك إلا مبشرا لأهل الإخلاص بالوصول والاختصاص ، ونذيرا لأهل الخوض بالطرد والبعد. وقرآنا فرقناه ، لتقرأه نيابة عنا ، كى يسمعوه منا بلا واسطة ، عند فناء الرسوم والأشكال ، ونزّلناه ، للتعريف بنا تنزيلا ، قل آمنوا به ؛ لتدخلوا حضرتنا ، أو لا تؤمنوا ، فإن أهل العلم بنا قائمون بحقه ، خاشعون عند تلاوته ، متنعمون بشهودنا عند سماعه منا. وبالله التوفيق.
ولما كان القرآن مشتملا على أسماء كثيرة من أسماء الله الحسنى ، وكان عليه الصلاة والسلام يقول فى دعائه : «يا الله ، يا رحمن» ، قالوا : إنه ينهانا عن عبادة إلهين ، وهو يدعو إلها آخر. وقالت اليهود : إنك لتقل ذكر الرحمن ، وقد أكثر الله تعالى ذكره فى التوراة ، فأنزل الله ردا على الفريقين :
(قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى ...)
قلت : «أي» : شرطية ، و (ما) : زائدة ؛ تأكيدا لما فى «أيا» من الإبهام ، وتقدير المضاف : أىّ الأسماء تدعو به فأنت مصيب.
يقول الحق جل جلاله : (قُلِ) يا محمد للمؤمنين : (ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ) ؛ نادوه بأيهما شئتم ، أو سموه بأيهما أردتم. والمراد : إما التسوية بين اللفظين ؛ فإنهما عبارتان عن ذات واحد ، وإن اختلف الاعتبار ، والتوحيد إنما هو للذات ، الذي هو المعبود بالحق ، وإما أنهما سيان فى حسن الإطلاق والوصول إلى المقصود ، فلذلك قال : (أَيًّا ما تَدْعُوا) ؛ أىّ اسم تدعوا به تصب ، (فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى) فيكون الجواب محذوفا ، دلّ عليه الكلام. وقيل : التقدير أياما تدعو به فهو حسن ، فوضع موضعه : (فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى) ؛ للمبالغة والدلالة على ما هو الدليل عليه ؛ إذ حسن جميع الأسماء يستدعى حسن ذينك الاسمين ، وكونها حسنى ؛ لدلاتها على صفات الكمال من الجلال والجمال ؛ إذ كلها راجعة إلى حسن ذاتها ، وكمالها ؛ جمالا وجلالا.