وظهور علاماتها لا يزيل إخفاءها. قال ابن عرفة فى تفسيره : وإذا ظهرت عند وقوع الأشراط لم ينسلخ عنها معنى الخفاء المتقدم ، غاية الأمر أنها بذكر الأشراط وسط بين الإخفاء والإظهار ، فتكون مقاربة لكل واحد منهما. ه.
وقوله تعالى : (لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى) متعلق بآتية ، أو بأخفيها ـ على معنى : أظهرها ، لتجزى كل نفس بسعيها ، أي : بعملها خيرا كان أو شرا. (فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْها) أي : عن ذكر الساعة ومراقبتها والاستعداد لها (مَنْ لا يُؤْمِنُ بِها) حتى تكسل عن التزود لها. والنهى ـ وإن كان بحسب الظاهر متوجها للكافر عن صد موسى عليهالسلام ـ لكنه فى الحقيقة نهى له عليهالسلام عن الانصداد عنها ، على أبلغ وجه ، فإنّ النهى عن أسباب الشيء المؤدية إليه نهى عنه بالطريق البرهاني ، كقوله تعالى : (لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقاقِي) (١) ، أي : لا تتبع فى الصد عنها من لا يؤمن بها (وَاتَّبَعَ هَواهُ) أي : ما تهواه نفسه من اللذات الفانية ، (فَتَرْدى) : فتهلك ؛ فإنّ الإغفال عنها ، وعن تحصيل ما ينجى من أهوالها ، مستتبع للهلاك لا محالة. وبالله التوفيق.
الإشارة : وهل أتاك أيها العارف حديث موسى ، كيف سار إلى نور الحبيب ، ومناجاة القريب ، إذ رأى نارا فى مرأى العين ، وهو نور تجلّى الحبيب بلا بين ، فقال لأهله ومن تعلق به : امكثوا ، أقيموا فى مقام الطلب ، واصبروا وصابروا ورابطوا على قلوبكم ، فى نيل المطلب ، إنى آنست نارا ، وهو نور وجه الحبيب فى مرائى تجلياته ، وهذا مقام الفناء ، لعلى آتيكم منها بقبس ، تقتبسون منه أنوارا لقلوبكم واسراركم. أو أجد على النار هدى يهدينى إلى مقام البقاء والتمكين ، فلما أتاها ، وتمكن من شهودها ، نودى يا موسى : إنى أنا ربك ، فلا نار ولا أثر ، وإنما وجه الحبيب قد تجلى وظهر ، فى مرأى الأثر ، فاخلع نعليك ، أي : اخرج عن الكونين إن أردت شهود حضرة المكون ، كما قال القائل:
واخلع النعلين ، إن جئت إلى |
|
ذلك الحي ؛ ففيه قدسنا |
وعن الكونين كن منخلعا |
|
وأزل ما بيننا من بيننا |
إنك بالواد المقدس ، أي : بحر حضرة القدس ومحل الأنس ، قد طويت عنك الأكوان ، وأبصرت نور الشهود والعيان ، وأنا اخترتك لحضرتى ، واصطفيتك لمناجاتى ، فاستمع لما يوحى إليك منى ، فأنا الله لا إله إلا أنا وحدي ، فإذا تمكنت من شهودى ، فانزل لمقام العبودية ؛ شكرا ، وأقم الصلاة لذكرى ، إن الساعة آتية لا محالة ، فأكرم مثواك ، وأجل منصبك ، وأرفعك مع المقربين ، فلا يصدنك عن مقام الشهود أهل العناد والجحود ، فتسقط عن مقام القرب والأنس ، وتصير فى جوار أهل حجاب الحس ، ولعل هذا المنزع هو الذي انتحى ابن الفارض ، حيث قال فى كلام له :
__________________
(١) من الآية ٨٩ من سورة هود.