أو : (لَاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنَّا) مما يليق بشأننا من المجردات ، لا من الأجسام المرفوعة والأجرام الموضوعة ، كعادة الجبابرة ؛ من رفع العروش وتحسينها ، وتمهيد الفرش وتزيينها ، لأغراض عراض ، لكن يستحيل إرادتنا لذلك ؛ لمنافاته للحكمة الإلهية المنزهة عن الأغراض. ه. من أبى السعود ، وأصله للزمخشرى. وفيه تكلف.
وسأل طاوس ومجاهد الحسن عن هذه الآية؟ فقال : اللهو : المرأة. وقال ابن عباس : «الولد». ومعنى (لَاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنَّا) : بحيث لا يطلعون عليه ، وما اتخذنا نساء وولدا من أهل الأرض. نزلت فى الذين قالوا : اتخذ الله ولدا. وتكون الآية ، حينئذ تتميما لما قبلها ، أي : ليس اللعب واللهو من شأننا ، إذ لو أردنا أن نتخذ لهوا لاتخذناه من لدنا. قال شيخ شيوخنا ، سيدى عبد الرحمن الفاسى : حمل الآية على الزوجة غير مفيد ، إلا أن يراد بذلك مجرد الرحمة والشفقة ، مما يمكن عقلا ، فيصح دخول النفي الشرعي عليه. انظر ابن عرفة ، فقد جوّز ، عقلا ، اتخاذه على معنى الرحمة. وكذا ابن عطية فى آية الزمر (١). ومنع ذلك القشيري. قلت : وكأنه لما يشير إليه قوله تعالى : (هُوَ اللهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ) (٢) فإن القهر لا يناسب التبني بوجه ، وقد يقال : إنه مانع سمعى شرعى ، لا عقلى ، فلا يخالف ما قاله ابن عرفة ولا ابن عطية. وفيه نظر ؛ لأنه يؤدى إلى تعطيل اسمه القهار ونحوه ، وهو محال ، والله أعلم ه.
قلت : قد حمل النسفي الآية على الولد ، فقال : (لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً) أي : ولدا ، أو امرأة ، رد على من قال عيسى ابنه ، ومريم صاحبته ، (لَاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنَّا) من الولدان أو الحور ، (إِنْ كُنَّا فاعِلِينَ) أي : إن كنا ممن يفعل ذلك ، ولسنا ممن يفعله لاستحالته فى حقنا. ه. قلت : والذي تكلف الحمل الأول رأى أن حمله على الولد يقتضى جواز الاتخاذ عقلا ؛ وإنما منعه عدم الإرادة. وأجاب ابن عرفة : بأن يحمل الاتخاذ على معنى الرحمة ، لا على حقيقة البنوة. قلت : من خاض بحار التوحيد الخاص وحاز مقام الجمع ، لا يتوقف فى مثل هذا ؛ إذ تجليات الحق لا تنحصر ، لكن لم يوجد منها ، ولم تتعلق إرادته إلا بما هو كمال فى حقه تعالى فى باب القدرة ، وأما باب الحكمة ، فهى رداء لمحل النقائص ، فافهم ، واصحب أهل الجمع حتى يفهموك ما ذكرت لك ، والسلام.
ثم قال تعالى : (بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ) أي : نرمى بالحق ، الذي هو الجد ، على الباطل ، الذي من جملته اللهو ، وهو إضراب عن اتخاذ الولد ، بل عن إرادته ، كأنه قيل : لكنا لا نريده ، بل شأننا أن نقذف بالحق على الباطل (فَيَدْمَغُهُ) : فيمحقه بالكلية ، كما فعلنا بأهل القرى المحكية وأمثالهم. وقد استعير ، لإيراد الحق على الباطل ، القذف ، الذي هو الرمي الشديد ، وللباطل الدمغ ، الذي هو تشتيت الدماغ وتزهيق الروح ، فكأنّ الباطل حيوان له دماغ ، فإذا تشتت دماغه مات واضمحل ، (فَإِذا هُوَ زاهِقٌ) أي : فإذا الباطل ذاهب بالكلية ، متلاش عن أصله. وفى (إذا) الفجائية والجملة الاسمية من الدلالة على كمال السرعة فى الذهاب والبطلان ما لا يخفى.
__________________
(١) فى قوله تعالى : (لَوْ أَرادَ اللهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً لَاصْطَفى مِمَّا يَخْلُقُ ما يَشاءُ ...) الآية.
(٢) من الآية ٤ من سورة الزمر.