فى ذلك : النبات ؛ مجازا دون الملائكة ، فأل فيه للحقيقة والماهية ، إلا أنه صرفه عن ذلك إلى العهد الذهني قرينة الجعل ، كما فى آية : (فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ) (١) ، فإن القرينة تخلص ذلك للبعضية وإرادة الأشخاص. وقيل : المراد به : المنىّ. فأل فيه ، حينئذ ، للعهد الذهني فقط. قال القشيري : كلّ مخلوق حىّ فمن الماء خلقه ، فإنّ أصل الحيوان الذي يحصل بالتناسل النطفة ، وهى من جملة الماء. ه. وتقدم أن الملائكة لا تناسل فيها. (أَفَلا يُؤْمِنُونَ) بالله وحده ، وهو إنكار لعدم إيمانهم ، مع ظهور ما يوجبه حتما من الآيات الآفاقية والأنفسية ، الدالة على تفرده تعالى بالألوهية.
(وَجَعَلْنا فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ) أي : جبالا ثوابت ، من رسا الشيء ؛ إذا ثبت ورسخ ، (أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ) أي : كراهية أن تتحرك وتضطرب بهم ، أو لئلا تميد بهم ـ بحذف اللام ، و «لا» ؛ لعدم الإلباس. (وَجَعَلْنا فِيها) أي : فى الأرض ، وتكرير الجعل ؛ لاختلاف المجعولين ، ولتوفية مقام الامتنان حقه ، أو فى الرواسي ؛ لأنها المحتاجة إلى الطرق ، (فِجاجاً) : جمع فج ، وهو الطريق الواسع ، نفذ أم لا ، أي : جعلنا فى الأرض مسالك واسعة ، و (سُبُلاً) نافذة. فالسبل هى الفجاج مع قيد النفوذ. فإن قيل : أىّ فرق بين هذا وبين قوله : (لِتَسْلُكُوا مِنْها سُبُلاً فِجاجاً) (٢)؟ فالجواب : أنه هنا بيّن أنه خلقها على هذه الصفة ، وهناك بيّن أنه جعل فيها طرقا واسعة ، وليس فيه بيان أنه خلقها كذلك ، فما هنا تفسير لما هناك. انظر النسفي.
وقوله تعالى : (لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ) أي : إلى البلاد المقصودة بتلك السبل ، أو إلى مصالحهم ومهماتهم. (وَجَعَلْنَا السَّماءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً) من السقوط ، كقوله : (وَيُمْسِكُ السَّماءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ) (٣) ، أو من الفساد والانحلال إلى الوقت المعلوم ، أو من استراق السمع بالشهب ، كما قال : (وَحِفْظاً مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ مارِدٍ) (٤). (وَهُمْ) أي : الكفار (عَنْ آياتِها) أي : عن الأدلة التي فيها ، كالشمس والقمر والنجوم ، وغير ذلك مما فيها من العجائب الدالة على وحدانيته تعالى وقدرته وحكمته ، التي بعضها محسوس ، وبعضها معلوم بالبحث فى علمى الطبيعة والهيئة ، (مُعْرِضُونَ) لا يتدبرون فيها ، فيقفون على ما هم عليه من الكفر والضلال ، فيؤمنون.
(وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ) لتسكنوا فيه ، (وَالنَّهارَ) لتتصرفوا فيه ، (وَالشَّمْسَ) لتكون سراج النهار ، (وَالْقَمَرَ) ليكون سراج الليل ، وهذا بيان لبعض تلك الآيات التي هم عنها معرضون. وقوله : (كُلٌ) أي : كلهم ، والمراد : جنس الطوالع ، (فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) أي : يسيرون سير العائم فى الماء. عن ابن عباس رضي الله عنه : الفلك السماء ، وقيل : موج مكفوف تحت السماء ، يجرى فيه الشمس والقمر والنجوم. وجمهور أهل الهيئة أن الفلك :
__________________
(١) من الآية ١٧ من سورة يوسف.
(٢) من الآية ٢٠ من سورة نوح.
(٣) من الآية ٦٥ من سورة الحج.
(٤) الآية ٧ من سورة الصافات.