عوائدهم وقصدوا مولاهم ، أنكروهم وأخرجوهم من أوطانهم ، ولو لا دفع الناس بعضهم ببعض ؛ بأن شفع خيارهم فى شرارهم ، لهدمت دعائم الوجود ؛ لأنّ من آذى وليا فقد آذن بالحرب.
قال القشيري : (وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ) ، أي : يتجاوز عن الأصاغر لقدر الأكابر ؛ استبقاء لمنازل العبادة ، تلك سنّة أجراها. ثم قال : (الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ) ، أي : لم يشتغلوا فى ذلك بحظوظ ، ولكن قاموا لأداء حقوقنا. ه.
ولمّا بشّر نبيّه ـ عليه الصلاة والسلام ـ مع المؤمنين ، بالدفع والنصر على سائر الملل ، سلّاه عن تكذيب قومه بقوله :
(وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعادٌ وَثَمُودُ (٤٢) وَقَوْمُ إِبْراهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ (٤٣) وَأَصْحابُ مَدْيَنَ وَكُذِّبَ مُوسى فَأَمْلَيْتُ لِلْكافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ (٤٤) فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها وَهِيَ ظالِمَةٌ فَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ (٤٥))
يقول الحق جل جلاله : (وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ) يا محمد ، أي : أهل مكة ، فلا تحزن ؛ فلست بأول من كذب ، (فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ) أي : قبل قومك (قَوْمُ نُوحٍ) نوحا ، (وَعادٌ) هودا ، (وَثَمُودُ) صالحا ، (وَقَوْمُ إِبْراهِيمَ) إبراهيم ، (وَقَوْمُ لُوطٍ) لوطا ، (وَأَصْحابُ مَدْيَنَ) شعيبا ، (وَكُذِّبَ مُوسى) ؛ كذّبه فرعون والقبط. ولم يقل : وقوم موسى ؛ لأن موسى ما كذبه قومه بنو إسرائيل ، وإنما كذبه القبط. أو : كأنه لمّا ذكر تكذيب كلّ قوم رسولهم ، قال : وكذّب موسى ، مع وضوح آياته وظهور معجزاته ، فما ظنك بغيره؟ (فَأَمْلَيْتُ لِلْكافِرِينَ) : أمهلتهم وأخرت عقوبتهم ، (ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ) : عاقبتهم على كفرهم ، أي : أخذت كل فريق من فرق المكذبين ، بعد انقضاء مدة إملائه وإمهاله ، (فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ) أي : إنكارى وتغييرى ؛ حيث أبدلتهم بالنعم نقما ، وبالحياة هلاكا ، وبالعمارة خرابا ، فكان ذلك فى غاية ما يكون من الهول والفظاعة.
(فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها) أي : كثيرا من القرى أهلكناها وخربناها بإهلاك أهلها ، (وَهِيَ ظالِمَةٌ) أي : والحال أنها ظالمة بالكفر والمعاصي ، (فَهِيَ خاوِيَةٌ) : ساقطة على (عُرُوشِها) ، من خوى النجم : سقط. والمعنى أنها ساقطة على سقوفها ، أي : خربت سقوفها على الأرض ، ثم تهدمت حيطانها فسقطت فوق السقوف. ويجوز أن يكون «على عروشها» : خبرا بعد خبر ، أي : فهى خالية من السكان ، وهى على عروشها ، أي : قائمة مشرفة على السقوف الساقطة. (وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ) أي : وكم من بئر متروكة مهملة فى البوادي والحواضر ، لا يستسقى منها ؛