فَجَعَلْنا عالِيَها سافِلَها وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ (٧٤) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ (٧٥) وَإِنَّها لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ (٧٦) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ (٧٧))
قلت : (وَقَضَيْنا إِلَيْهِ ذلِكَ الْأَمْرَ) ، القضاء هنا بمعنى القدر السابق ، وضمّنه معنى أوحينا ، فعداه بإلى. و (أنّ دابر) : بدل من الأمر ، وفى ذلك تفخيم الأمر وتعظيم له ، و (مُصْبِحِينَ) : حال من «هؤلاء» ، أو من ضمير مقطوع ، وجمعه ؛ للحمل على المعنى ؛ لأن دابر بمعنى دوابر ، أي : قطعنا دوابرهم حال كونهم داخلين فى وقت الصباح. و (لَعَمْرُكَ) : مبتدأ ، والخبر محذوف ، أي : قسمى ، قال ابن عزيز : عمر وعمر واحد ، ولا يقال فى القسم إلا مفتوحا ، وإنما فتح فى القسم فقط ؛ لكثرة الاستعمال.
يقول الحق جل جلاله : (فَلَمَّا جاءَ آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ) ، وهم أضياف إبراهيم ، فلما دخلوا عليه ولم يعرفهم ، (قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ) لا نعرفكم. أو تنكركم نفسى ؛ مخافة أن تطرقونى بشىء ، (قالُوا بَلْ جِئْناكَ بِما كانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ) أي : ما جئناك بما تنكرنا لأجله ، بل جئناك بما يسرك ، وهو : قطع الفاحشة من بلدك ، وإتيان العذاب لعدوك الذي توعدناهم ، فكانوا يمترون فيه ويشكون فى إتيانه ، (وَأَتَيْناكَ بِالْحَقِ) ؛ باليقين الثابت ، وهو إتيان العذاب لا محالة ، (وَإِنَّا لَصادِقُونَ) فيما أخبرناك به.
(فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ) : فاذهب بهم (بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ) أي : فاخرج بهم فى طائفة من الليل ، قيل : آخره ، (وَاتَّبِعْ أَدْبارَهُمْ) أي : كن خلفهم فى ساقتهم ، حتى لا يبقى منهم أحد ، أو : أمره بالتأخر عنهم ؛ ليكونوا قدامه ، فلا يشتغل قلبه بهم لو كانوا خلفه ؛ لخوفه عليهم ، أي : ليسرع بهم ، ويطلع على أحوالهم. (وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ) خلفه ، لينظر ما وراءه ، فيرى من الهول ما لا يطيقه ، أو : ولا ينصرف أحد منكم ، ولا يتخلف لغرض فيصيبه ما أصابهم. وقيل : نهوا عن الالتفات ليوطنوا أنفسهم على الهجرة. (وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ) أي : إلى حيث أمركم الله ، وهو الشام أو مصر ، وقال بعضهم : «ما من نبى هلك إلا لحق بمكة ، وجاور بها حتى مات».
(وَقَضَيْنا) : أوحينا (إِلَيْهِ ذلِكَ الْأَمْرَ) ، وهو هلاك قومه ، ذكره مبهما ثم فسره بقوله : (أَنَّ دابِرَ هؤُلاءِ مَقْطُوعٌ) وهو كناية عن استئصالهم ، والمعنى : أنهم يستأصلون عن آخرهم حتى لا يبقى منهم أحد ، حال كونهم وقت العذاب (مُصْبِحِينَ) : داخلين فى الصباح.
(وَجاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ) ، وهى سدوم ، (يَسْتَبْشِرُونَ) بأضياف لوط ؛ طمعا فيهم فى فعل الفاحشة ، والظاهر : أن هذا المجيء إليه ، وما جرى له معهم من المحاورة ، كان قبل الإعلام بهلاكهم ، كما تقدم فى هود. وانظر ابن عطية. فلما جاءوه يراودونه عن ضيفه (قالَ إِنَّ هؤُلاءِ ضَيْفِي فَلا تَفْضَحُونِ) ؛ بهتك حرمة ضيفى ، فإن