فأراد أن يستغفر لها ، وقال : استغفر إبراهيم لأبويه وهما مشركان ، فلمّا همّ أن يستغفر لأمّه جاءه جبريل وقال : (وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ). يقول : فلمّا مات علم أنّه لا توبة له ، فتبرّأ منه.
وقال بعضهم : ذكر لنا أنّ رجلا قال لنبيّ الله عليهالسلام : إنّ من آبائنا من كان يحسن الجوار ، ويصل الأرحام ، ويفي بالذّمم ، أفلا نستغفر لهم؟ قال : بلى ، فو الله إنّي لأستغفر لهم ، يعني والديه ، كما استغفر إبراهيم لوالديه (١) ، فأنزل الله هذه الآية : (وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ). وقال في قوله : (فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ) أي : لمّا مات على شركه (تَبَرَّأَ مِنْهُ).
قوله : (إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ) (١١٤) : قال بعضهم : الأوّاه : الرحيم. ذكروا عن عبد الله بن مسعود أنّه قال : الأوّاه : الرحيم. وبعضهم يقول : هو الدّعّاء. [وقال ابن عبّاس : الأوّاه : الموقن] (٢).
قوله : (وَما كانَ اللهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (١١٥).
بلغنا أنّ أناسا من أصحاب النبيّ عليهالسلام ماتوا قبل أن تفرض الفرائض أو بعضها ، فقال قوم من أصحاب النبيّ : مات إخواننا قبل أن تفرض هذه الفرائض ، فما منزلتهم ، وقد كانوا مؤمنين بما فرض عليهم يومئذ؟ فأنزل الله هذه الآية ، فأخبر أنّهم ماتوا
__________________
(١) أخرجه ابن جرير الطبريّ في تفسيره ، ج ١٤ ص ٥١٣ عن قتادة مرسلا.
(٢) زيادة من ز ، ورقة ١٣٤. وقد عدّد ابن الجوزي في زاد المسير ، ج ٣ ص ٥٠٩ ـ ٥١٠ ثمانية أقوال في (لَأَوَّاهٌ) ويبدو أنّ أدقّها تعبيرا وأصحّها تأويلا ما قاله أبو عبيدة في مجاز القرآن ، ج ٦ ص ٢٧٠. قال : «مجازه مجاز فعّال من التأوّه ، ومعناه : متضرّع شفقا وفرقا ولزوما لطاعة ربّه ، وقال المثقّف العبديّ :
إذا ما قمت أرحلها بليل |
|
تأوّه آهة الرّجل الحزين» |
وانظر البيت ضمن قصيدة رائعة اختارها المفضل الضبي في «المفضليات» ص ٢٨٨ ـ ٢٩٢. تحقيق وشرح أحمد محمّد شاكر وعبد السّلام محمّد هارون ، الطبعة الرابعة ، دار المعارف بمصر.