وحرّفوه عن مواضعه ، ثمّ قالوا : هذا من عند الله. وكتب الله كلّها قرآن (١). وقال في آية أخرى : (فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُراً كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) (٥٣) [المؤمنون : ٥٣]. وهي تقرأ على وجهين : زبرا وزبرا ؛ فمن قرأها زبرا فهو يقول : قطعا ، ومن قرأها زبرا فهو يقول : كتبا.
ذكروا عن ابن عبّاس قال : هم اليهود والنصارى آمنوا ببعض وكفروا ببعض.
وذكر بعضهم قال : هم رهط خمسة من قريش عضهوا (٢) كتاب الله ، فزعم بعضهم أنّه سحر ، وزعم بعضهم أنّه شعر ، وزعم بعضهم أنّه كهانة وزعم بعضهم أنّه أساطير الأوّلين ، وزعم بعضهم أنّ محمّدا مجنون ، وزعم بعضهم أنّه كاذب.
قال : أمّا أحدهم فالأسود بن عبد يغوث ، أتى على نبيّ الله وهو عند البيت ، فقال له الملك : كيف تجد هذا؟ فقال : بئس عبد الله. قال : قد كفيتكه. ثمّ أتى عليه الوليد بن المغيرة ، فقال له : كيف تجد هذا؟ فقال : بئس عبد الله. قال : كفيتكه. ثمّ أتى عليه الأسود بن المطّلب ، فقال الملك : كيف تجد هذا؟ قال : بئس عبد الله. قال : كفيتكه. ثمّ أتى عليه العاص بن وائل ، فقال له الملك : كيف تجد هذا؟ قال : بئس عبد الله. قال : كفيتكه.
فأمّا الأسود فأتى بغصن من شوك فضرب به على رأسه ووجهه حتّى سالت حدقتاه ، فكان يقول بعد ذلك : دعا عليّ محمّد بدعوة ، ودعوت عليه بأخرى ، فاستجاب الله له فيّ ، واستجاب لي فيه : دعا عليّ أن أثكل وأن أعمى (٣) فكان كذلك. ودعوت عليه أن يصير
__________________
(١) كذا في المخطوطات : «وكتب الله كلها قرآن». وهو الصحيح. ومعناه أنّ كتب الله كلّها مجموع أجزاؤها ، مضموم بعضها إلى بعض ، ومن معاني لفظ القرآن لغة الجمع والضمّ. انظر اللسان : (قرأ).
(٢) كذا في ق «عضهوا» ، وفي د وج «عضّوا» ولكلّ معنى. فأمّا عضّى ، تعضية ، فمعناه فرّق وجزّأ وهذا المعنى هو الأنسب هنا. وأمّا عضه ، يعضه عضها فمعناه : قذفه ورماه ببهتان وقال في الشيء أو الشخص ما ليس فيه زورا وبهتانا.
(٣) قيل : إنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم دعا عليه فقال : اللهمّ أعم بصره ، وأثكله ولده. كذا رواه ابن هشام في سيرته عن ابن إسحاق ، ج ١ ص ٤٠٩ ، وابن جرير الطبريّ في تفسيره ، ج ١٤ ص ٧١.