«نأى» : مشتقة من «نأي» وهي على وزن «رأي» وهي بمعنى الإبتعاد ، وعند إضافة كلمة «بجانبه» إليها يكون المعنى التكبر والغرور والتزام المواقف المعادية. ويمكن الاستفادة من مجموع هذه الجملة أنّ الأشخاص الدنيويين يصابون بالغرور عند مجيء النعم ، بحيث إنّهم ينسون واهب ومعطي هذه النعم ، ولا يقتصر الأمر على النسيان وحسب ، بل ينتقل إلى الإعتراض والتكبّر وعدم الإلتفات للخالق.
جملة (مَسَّهُ الشَّرُّ) تشير إلى أدنى سوء يصيب الإنسان. والمعنى أنّ هؤلاء من الضعف وعدم التحمل بحيث إنّهم ينسون أنفسهم ويغرقون في دوّامة اليأس بمجرد أن تصيبهم أبسط مشكلة.
الآية الثانية تخاطب الرسول صلىاللهعليهوآله فتقول : (قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ). فالمؤمنون يطلبون الرحمة والشفاء من آيات القرآن الكريم ، والظالمون لا يستفيدون من القرآن سوى مزيد من الخسران ، أمّا الأفراد الضعفاء فيصابون بالغرور في حال النعمة ، ويصابون باليأس في حال ظهور المشاكل ... هؤلاء جميعاً يتصرفون وفق أمزجتهم ، هذه الأمزجة التي تتغير وفق التربية والتعليم والأعمال المتكررة للإنسان نفسه.
وفي هذه الأحوال جميعاً فإنّ هناك علم الله الشاهد والمحيط بالجميع وخاصه بالأشخاص المهتدين : (فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلاً).
«شاكلة» : في الأصل مشتقة من «شكل» وهي تعني وضع الزمام والرباط للحيوان. و (شكال) تقال لنفس الزمام ؛ وبما أنّ طبائع وعادات كل إنسان تقيّده بصفات معيّنة لذا يقال لذلك «شاكلة».
إنّ الشاكلة تطلق على كل عادة وطريقة ومذهب وأسلوب يعطي للإنسان اتجاهاً معيناً. لذا فإنّ العادات والصفات التي يكتسبها الإنسان بتكرار الأعمال اختيارياً وإرادياً ، وكذلك الإعتقادات التي يقتنع بها ويعتمدها بسبب الاستدلال أو التعصب لرأي معين يطلق عليها كلها كلمة «شاكلة».
(وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً) (٨٥)
ما هي الروح؟ تبدأ هذه الآية في الإجابة على بعض الأسئلة المهمة للمشركين ولأهل الكتاب ، إذ تقول : (وَيَسَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبّى وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً).