وفي نهاية الآية ولأجل تأكيد المعنى السابق جاء قوله تعالى : (إِنَّ فَضْلَهُ كَانَ عَلَيْكَ كَبِيرًا).
إنّ وجود القابلية لهذا الفضل في قلبك الكبير بجهادك وعبادتك من جهة ، وحاجة العباد إلى مثل قيادتك من جهة اخرى ، جعلا فضل الله عليك كبيراً للغاية فقد فتح الله أمامك أبواب العلم ، وأنبأك بأسرار هداية الإنسان ، وعصمك من الخطأ ، حتى تكون أسوة وقدوة لجميع الناس إلى نهاية هذا العالم.
(قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً (٨٨) وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً) (٨٩)
معجزة القرآن : الآيات التي بين أيدينا تتحدّث عن إعجاز القرآن ، ولأنّ الآيات اللاحقة تتحدّث عن حجج المشركين في مجال المعجزات ، فإنّ الآية التي بين أيدينا مقدمة للبحث القادم حول المعجزات. إنّ الله يخاطب رسوله صلىاللهعليهوآله ويقول له : (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْءَانِ لَايَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا).
إنّ هذه الآية دعت ـ بصراحة ـ العالمين جميعهم ، صغاراً وكباراً ، عرباً وغير عرب ، الإنسان أو أيّ كائن عاقل آخر ، العلماء والفلاسفة والأدباء والمؤرخين والنوابغ وغيرهم لقد دعتهم جميعاً لمواجهة القرآن ، وتحدّيه الكبير لهم ، وقالت لهم : إذا كنتم تظنون أنّ هذا الكلام ليس من الخالق وأنّه من صنع الإنسان ، فأنتم أيضاً بشر ، فأتوا إذاً بمثله ، وإذا لم تستطيعوا ذلك بأجمعكم ، فهذا العجز أفضل دليل على إعجاز القرآن.
إنّ هذه الدعوة للمقابلة والتي يصطلح عليها علماء العقائد بـ «التحدّي» هي أحد أركان المعجزة ، وعندما يرد هذا التعبير في أيّ مكان ، نفهم بوضوح أنّ هذا الموضوع هو من المعجزات.
وتتحرك الآية التي بعدها لتوضيح جانب من جوانب الإعجاز القرآني ، متمثلاً في شموليته وإحاطته بكل شيء ، إذ يقول تعالى : (وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِى هذَا الْقُرءَانِ مِن كُلّ مَثَلٍ). ولكن بالرغم من ذلك : (فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كَفُورًا).