لم يؤمنوا رغم الآيات : قبل بضعة آيات عرفنا كيف أنّ المشركين طلبوا اموراً عجيبة غريبة من الرسول صلىاللهعليهوآله ، وهذه الآيات ـ التي نبحثها ـ تقف على نماذج للُامم السابقة ممن شاهدوا أنواع المعاجز والأعمال غير العادية ، إلّاأنّهم استمروا في الإنكار وعدم الإيمان. في البدء يقول تعالى : (وَلَقَدْءَاتَيْنَا مُوسَى تِسْعَءَايَاتٍ بَيّنَاتٍ).
والآيات التسع هي : العصا ، اليد البيضاء ، الطوفان ، الجراد ، القمل ، الضفادع ، الدم ، الجفاف ، ونقص الثمرات.
ولأجل التأكيد على الموضوع اسأل ـ والخطاب موجّه إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله ـ بني إسرائيل (اليهود) أمام قومك المعارضين والمنكرين : (فَسَلْ بَنِى إِسْرَاءِيلَ إِذْ جَاءَهُمْ).
إلّا أنّ الطاغية الجبار فرعون ـ برغم الآيات ـ لم يستسلم للحق ، بل أكثر من ذلك إتّهم موسى (فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنّى لَأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُورًا).
إنّ التعبير القرآني يكشف عن الاسلوب الدعائي التحريضي الذي يستخدمه المستكبرون ويتّهمون فيه الرجال الإلهيين بسبب حركتهم الإصلاحية الربانية ضد الفساد والظلم ، إذ يصف الظالمون والطغاة معجزاتهم بالسحر أو ينعتونهم بالجنون كي يؤثّروا من هذا الطريق في قلوب الناس ويفرّقوهم عن الأنبياء.
ولكن موسى عليهالسلام لم يسكت أمام اتّهام فرعون له ، بل أجابه بلغة قاطعة يعرف فرعون مغزاها الدقيق ، إذ قال له : (قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّموَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ).
لذا فإنّك ـ يا فرعون ـ تعلم بوضوح أنّك تتنكّر للحقائق ، برغم علمك بأنّها من الله! فهذه «بصائر» أي أدلة واضحة للناس كي يتعرفوا بواسطتها على طريق الحق ، وعندها سيسلكون طريق السعادة ، وبما أنّك ـ يا فرعون ـ تعرف الحق وتنكره ، لذا : (وَإِنّى لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا). «مثبور» : من «ثبور» وتعني الهلاك.
ولأنّ فرعون لم يستطع أن يقف بوجه استدلالات موسى القوية ، فإنّه سلك طريقاً يسلكه جميع الطواغيت عديمي المنطق في جميع القرون وكافّة الأعصار ، وذاك قوله تعالى : (فَأَرَادَ أَن يَسْتَفِزَّهُم مِّنَ الْأَرْضِ فَأَغْرَقْنهُ وَمَن مَّعَهُ جَمِيعًا).
«يستفز» : من «استفزاز» وتعني الإخراج بقوة وعنف.
ومن بعد هذا النصر العظيم : (وَقُلْنَا مِن بَعْدِهِ لِبَنِى إِسْرَاءِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ