سورة الأنفال : (قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هذَا).
والملاحظ على مستكبري يومنا توسلهم بنفس تلك التهم الباطلة هروباً من الحق وإضلالاً للآخرين ، ووصلت بهم الحماقة لأن يعتبروا منشأ الدين من الجهل البشري ، وما الآراء الدينية إلّاأساطير وخرافات ، حتى أنّهم اثبتوا ذلك في كتب (علم الاجتماع ودوّنوه بصياغة (علمية) كما يدّعون).
أمّا لو نفذنا في أعماق تفكيرهم لوجدنا صورة اخرى : فهم لم يحاربوا الأديان والمذاهب الخرافية المجعولة أبداً ، فهم مؤسسوها والداعون لنشرها ، إنّما محاربتهم للأصالة والدين الحق الذي يوقظ الفكر الإنساني ويحطّم الأغلال الاستعمارية ويقطع دابر المنحرفين عن جادة الصواب.
توضّح الآية الاخرى أعمالهم بالقول : (لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيمَةِ وَمِن أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ).
ثم تتحرك الآية الاخرى لتقرر أنّ تهمة وصف الوحي الإلهي بأساطير الأوّلين ليست بالأمر المستجد : (قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللهُ بُنْينَهُم مِّنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِن فَوْقِهِمْ وَأَتهُمُ الْعَذَابُ مِن حَيْثُ لَايَشْعُرُونَ).
ومن لطيف دقّة العبارة القرآنية ، أنّ الآية أشارت إلى أنّ الله عزوجل لا يدمرّ البناء العلوي للمستكبرين فحسب ، بل سيدمّره من القواعد لينهار بكله عليهم.
وقد يكون تخريب القواعد وإسقاط السقف إشارة إلى أبنيتهم الظاهرية ، من خلال الزلازل والصواعق لتنهار على رؤوسهم ، وقد يكون إشارة إلى قلع جذور تجمعاتهم وأحزابهم بأمر الله عزوجل ، بل لا مانع من شمول الأمرين معاً.
وعذابهم في الحياة الدنيا لا يعني تمام الجزاء ، بل تكملته ستكون يوم الجزاء الأكبر (ثُمَّ يَوْمَ الْقِيمَةِ يُخْزِيهِمْ).
فيسألهم الله تعالى : (وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَاءِىَ الَّذِينَ كُنتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ). أي تجادلون وتعادون فيهم ، فلا يتمكنون من الإجابة ، ولكن : (قَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ إِنَّ الْخِزْىَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكَافِرِينَ).
وهو نوع من العذاب الروحي ، ويصف ذيل الآية السابقة حال الكافرين بالقول : (الَّذِينَ تَتَوَفهُمُ الْمَلِكَةُ ظَالِمِى أَنفُسِهِمْ).