الآيات السابقة عاقبة ما قاله المشركين من عقاب دنيوي وأخروي ، ومادي ومعنوي مضاعف : (لّلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِى هذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ).
وقد أطلق الجزاء بال «حسنة» كما أطلقوا القول «خيراً» ، ليشمل كل أنواع الحسنات والنعم في الحياة الدنيا ، بالإضافة إلى : (وَلَدَارُ الْأَخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ).
ثم تصف الآية التالية ـ بشكل عام ـ محل المتقين في الآخرة بالقول : (جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ).
وقلنا أنّ الآيات مورد البحث توضّح كيفية حياة وموت المتقين مقارنة مع ما ورد في الآيات السابقة حول المشركين والمستكبرين ، وقد مرّ علينا هناك أنّ الملائكة عندما تقبض أرواحهم يكون موتهم بداية لمرحلة جديدة من العذاب والمشقة ، ثم يقال لهم : «ادخلوا أبواب جهنم ...».
وأمّا عن المتقين : (الَّذِينَ تَتَوَفهُمُ الْمَلِكَةُ طَيّبِينَ) طاهرين من كل تلوّثات الشرك والظلم والإستكبار ، ومخلصين من كل ذنب : (يَقُولُونَ سَلمٌ عَلَيْكُمُ). السلام الذي هو رمز الأمن والنجاة.
ثم يقال لهم : (ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ).
والتعبير عن موتهم ب (تَتَوَفهُم) يحمل بين طيّاته اللطف ، ويشير إلى أنّ الموت لا يعني الفناء والعدم أو نهاية كل شيء ، بل هو مرحلة انتقالية إلى عالم آخر.
وفي تفسير الميزان : أنّ في هذه الآية ثلاثة مسائل :
١ ـ طهارة المؤمنين من خبث الظلم.
٢ ـ يقولون لهم : (سَلمٌ عَلَيْكُمُ) وهو تأمين قولي لهم.
٣ ـ (ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) وهو هداية لهم إليها.
وهذه المواهب الثلاث هي التي ذكرت في الآية (٨٢) من سورة الأنعام : (الَّذِينَءَامَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ).
* * *