الموحدين وعباد الله في العالم يفتخرون بوجوده. يقول القرآن الكريم : (فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلَّا جَعَلْنَا نَبِيًّا).
إنّ هذه الموهبة العظيمة كانت نتيجة صبر إبراهيم عليهالسلام واستقامته التي أظهرها في طريق محاربة الأصنام ، واعتزال المنهج الباطل والإبتعاد عنه.
وإضافة إلى ذلك : (وَوَهَبْنَا لَهُم مِّن رَحْمَتِنَا). تلك الرحمة الخاصة بالمخلصين ، والرجال المجاهدين في سبيل الله. وأخيراً : (وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا).
إنّ هذا في الحقيقة إجابة لطلب ودعاء إبراهيم الذي جاء في الآية (٨٤) من سورة الشعراء : (وَاجْعَل لِّى لِسَانَ صِدْقٍ فِى الْأَخِرِينَ).
(وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصاً وَكَانَ رَسُولاً نَبِيّاً (٥١) وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيّاً (٥٢) وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيّاً) (٥٣)
موسى النبي المخلص : في هذه الآيات الثلاث إشارة قصيرة إلى موسى عليهالسلام ـ وهو من ذرّية إبراهيم عليهالسلام وموهبة من مواهب ذلك الرجل العظيم ـ حيث سار على خطاه.
وتوجّه الآية الخطاب إلى الرسول الأكرم صلىاللهعليهوآله وتقول : (وَاذْكُرْ فِى الْكِتبِ مُوسَى).
ثم تذكر خمس مواهب وصفات من المواهب التي أعطيت لهذا النبي الكبير :
١ ـ إنّه وصل في طاعته وعبوديته لله إلى حدّ (إِنَّهُ كَانَ مُخْلِصًا). ولا ريب أنّ الذي يصل إلى هذه المرتبة سيكون مصوناً من خطر الانحراف والتلوّث ، لأنّ الشيطان رغم كل إصراره على إضلال عباد الله ، يعترف هو نفسه بعدم قدرته على إضلال المخلصين : (قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) (١).
٢ ـ (وَكَانَ رَسُولاً نَبِيًّا). فحقيقة الرسالة أن تلقى مهمّة على عاتق شخص ، وهو مسؤول عن أدائها وإبلاغها ، وهذا المقام كان لجميع الأنبياء المأمورين بالدعوة.
إنّ ذكر كونه «نبيّاً» هنا إشارة إلى علوّ مقام هذا النبي العظيم ، لأنّ هذه اللفظة في الأصل مأخوذة من (النّبْوَة) وتعني رفعة المقام وعلوّه.
٣ ـ وأشارت الآية التالية إلى بداية رسالة موسى ، فقالت : (وَندَيْنهُ مِن جَانِبِ الطُّورِ
__________________
(١) سورة ص / ٨٢ و ٨٣.