الإيمان والمحبوبية : هذه الآيات الثلاث نهاية سورة مريم ، والكلام فيها أيضاً عن المؤمنين ، والظالمين الكافرين ، وعن القرآن وبشاراته وإنذاراته ، وهي ـ في الحقيقة ـ عصارة البحوث السابقة بملاحظات ونكات جديدة. تقول أوّلاً : (إِنَّ الَّذِينَءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا).
إنّ للإيمان والعمل الصالح نوراً وضياء بسعة عالم الوجود ، ويعمّ نور المحبة الحاصل منهما كل أرجاء عالم الخلقة ، وإنّ الذات الإلهية المقدسة تحب أمثال هذا الفرد ، فهم محبوبون عند كل أهل السماء ، وتقذف هذه المحبة في قلوب أهل الأرض.
ثم تشير الآية التالية إلى القرآن الذي هو منبع ومصدر تنمية الإيمان والعمل الصالح ، فتقول : (فَإِنَّمَا يَسَّرْنهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنذِرَ بِهِ قَوْمًا لُّدًّا).
«اللُدّ» : ـ بضم اللام وتشديد الدال ـ جمع «ألدّ» بمعنى العدو الشديد العداوة ، وتطلق على المتعصب العنود في عداوته ، ولا منطق له.
وتقول الآية الأخيرة كتهدئة لخاطر النبي صلىاللهعليهوآله والمؤمنين ، وتسلية لهم ، خاصة مع ملاحظة أنّ هذه السورة نزلت في مكة ، وكان المسلمون يومذاك تحت ضغط شديد جدّاً ؛ وكذلك تقول بنبرة التهديد والتحذير لكل الأعداء اللجوجين العنودين : (وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّن قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُم مِّنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا).
«الركز» : بمعنى الصوت الهادىء ، ويقال للأشياء التي يخفونهاتحت الأرض : «ركاز» ، أي إنّ هؤلاء الأقوام الظالمين ، وأعداء الحق والحقيقة المتعصبين ، قد تمّ تدميرهم وسحقهم إلى حدّ لا يسمع صوت خفي منهم.
لقد صدرت روايات عديدة عن النبي صلىاللهعليهوآله في سبب نزول قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا). في كثير من كتب الحديث وتفسير السنة والشيعة ، وهي تبيّن أنّ هذه الآية نزلت لأوّل مرّة في حق علي عليهالسلام.
|
«نهاية تفسير سورة مريم» |
* * *