حنجرة البعير ، ثم أطلق على الأعمال القبيحة والموحشة جدّاً.
ولمّا كانت مثل هذه النسبة غير الصحيحة مخالفة لأصل التوحيد فكأنّ كل عالم الوجود ، الذي بني على أساس التوحيد ، قد اضطرب وتصدّع إثر هذه النسبة الكاذبة ، ولذلك تضيف الآية التالية : (تَكَادُ السَّموَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الجِبَالُ هَدًّا).
ومن أجل تأكيد وبيان أهمية الموضوع فإنّها تقول : إنّ كل ذلك من أجل (أَن دَعَوْا لِلرَّحْمنِ وَلَدًا).
إنّ هؤلاء لم يعرفوا الله قط ، لأنّه : (وَمَا يَنْبَغِى لِلرَّحْمنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَدًا).
فإنّ الإنسان يطلب الولد لواحد من عدّة أشياء :
إمّا لأنّ عمره ينتهي فيحتاج لولد مثله يحمل صفاته ليبقى نسله وذكره.
أو لأنّه يطلب الصديق والرفيق لأنّ قوته محدودة.
لكن أيّاً من هذه المعاني لا ينطبق على الله سبحانه ، ولا يصح ، فلا قدرته محدودة ، ولا حياته تنتهي ، ولا يعتريه الضعف والوهن ، ولا يحس بالوحدة والحاجة ، ولذلك قالت الآية الاخرى : (إِن كُلُّ مَن فِى السَّموَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّاءَاتِى الرَّحْمنِ عَبْدًا).
فمع أنّ كل العباد مطيعون له ، وقد وضعوا أرواحهم وقلوبهم على الأكف طاعة لأمره ، فهو غير محتاج لطاعتهم ، بل هم المحتاجون.
ثم تقول الآية التالية : (لَّقَدْ أَحْصهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا). أي لا تتصور بأنّ محاسبة كل هؤلاء العباد غير ممكن ، وعسير عليه سبحانه.
(وَكُلُّهُمْءَاتِيهِ يَوْمَ الْقِيمَةِ فَرْدًا). وبناء على هذا فإنّ المسيح وعزير والملائكة وكل البشر يشملهم حكمه ولا يستثنى منه أحد ، ومع هذه الحال فما أقبح أن نعتقد ونقول بوجود ولد له ، وكم ننقص من قدر ذاته المقدسة وننزلها من أوج العظمة وقمّتها ، وننكر صفاته الجلالية والجمالية حينما ندّعي أنّ له ولداً.
(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدّاً (٩٦) فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدّاً (٩٧) وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً) (٩٨)