ثم يضيف : (وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِى). فمن أجل مهمّة تلقّي الوحي الصعبة ، ومن أجل قبول الرسالة ، ومن أجل هداية العباد وإرشادهم ربّيتك واختبرتك في الحوادث الصعبة ومشاقّها ، ومنحتك القوة والقدرة ، والآن حيث ألقيت هذه المهمة الكبرى على عاتقك ، فإنّك مؤهّل من جميع الجوانب.
«اصطناع» : من مادة «صنع» بمعنى الإصرار والاقدام الأكيد على اصلاح شيء. ويعني إنّني قد اصلحتك من كل الجهات.
(اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي (٤٢) اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (٤٣) فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى (٤٤) قَالا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى (٤٥) قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى (٤٦) فَأْتِيَاهُ فَقُولَا إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى (٤٧) إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى) (٤٨)
أوّل لقاء مع فرعون الجبار : الآن وقد أصبح كل شيء مهيّأً ، وكل الوسائل قد جعلت تحت تصرّف موسى ، فقد خاطب الله سبحانه موسى وهارون بقوله : (اذْهَبْ أَنتَ وَأَخُوكَ بَايتِى). الآيات التي تشمل المعجزتين الكبيرتين لموسى عليهالسلام ، كما تشمل كل آيات الله وتعليماته التي هي بذاتها دليل على أحقّية دعوته.
ومن أجل رفع معنوياتهما ، والتأكيد على بذل أقصى ما يمكن من المساعي والجهود ، فقد أضاف سبحانه قائلاً : (وَلَا تَنِيَا فِى ذِكْرِى) وتنفيذ أوامري ، لأنّ الضعف واللين وترك الحزم سيذهب بكل جهودكما أدراج الرياح ، فأثبتا ولاتخافا من أيّ حادثة ، ولا تضعفا أمام أيّ قدرة.
بعد ذلك ، يبيّن الهدف الأساس لهذه الحركة ، والنقطة التي يجب أن تكون هدفاً لتشخيص المسار ، فيقول : (اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى). فإنّه سبب كل الشقاء والتعاسة في هذه المنطقة الواسعة ، وما لم يتمّ إصلاحه فسوف لا ينجح أيّ عمل ، لأنّ عامل تقدّم الامّة أو تخلّفها ، سعادتها أو شقائها وبؤسها هو قادتها وحكّامها.
ثم بيّنت الآية طريقة التعامل المؤثرة مع فرعون ، فمن أجل أن تنفذا إليه وتؤثّرا فيه (فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَّيّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى).