فرعون يُهيّء نفسه للجولة الأخيرة : تعكس هذه الآيات مرحلة اخرى من المواجهة بين موسى وفرعون ، ويبدأ القرآن الكريم هذا الفصل بهذه الجملة : (وَلَقَدْ أَرَيْنهُءَايَاتِنَا كُلَّهَا فَكَذَّبَ وَأَبَى). ومن المسلّم أنّ المراد من هذه الآيات هي المعجزات التي أراها فرعون في بداية دعوته ، معجزة العصا ، واليد البيضاء ، ومحتوى دعوته السماوية الجامعة.
والآن ، لنر ماذا قال فرعون الطاغي المستكبر العنود في مقابل موسى ومعجزاته ، وكيف اتّهمه كما هي عادة كل المتسلطين والحكّام المتعنّتين؟ (قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يمُوسَى). وهو إشارة إلى أنّنا نعلم أنّ مسألة النبوة والدعوة إلى التوحيد ، وإظهار هذه المعجزات تشكّل بمجموعها خطّة منسّقة للإنتصار علينا ، وبالتالي إخراجنا مع الأقباط من أرض آبائنا وأجدادنا.
إنّ هذه التهمة هي نفس الحربة التي يستخدمها الطواغيت والمستعمرون على إمتداد التاريخ ، ويلوحون بها ويشهرونها كلّما رأوا أنفسهم في خطر ، ومن أجل إثارة الناس لصالحهم يثيرون مسألة تعرّض مصالح البلد للخطر ، فالبلد يعني حكومة هؤلاء العتاة ، ووجوده يعني وجودهم!
ثم أضاف فرعون بأن لا تظن بأنّنا نعجز عن أن نأتي بمثل هذا السحر : (فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مّثْلِهِ). ولكي يظهر حزماً أكثر فإنّه قال : (فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لَّانُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنتَ مَكَانًا سُوًى).
إلّا أنّ موسى لم يفقد هدوء أعصابه ، ولم يدع للخوف من عنجهيّة فرعون إلى قلبه طريقاً ، بل قال بحزم : (قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزّينَةِ وَأَن يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى) (١).
إنّ التعبير ب (يَوْمُ الزّينَةِ) إشارة إلى يوم عيد إلّاأنّ المهم هو أنّ الناس كانوا يعطّلون أعمالهم فيه.
إنّ فرعون بعد مشاهدة معجزات موسى العجيبة ، وتأثيرها النفسي في أنصاره ، صمّم على مواجهة موسى عليهالسلام بالإستعانة بالسّحرة ، ولذلك وضع الإتفاق المذكور مع موسى (فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَى).
وأخيراً حلّ اليوم الموعود ، ووقف موسى أمام جميع الحاضرين ، الذين كان بعضهم
__________________
(١) «الضحى» : بمعنى زيادة أشعّة الشمس ، أو إرتفاع الشمس.