ولما كان جانب من حديث موسى عليهالسلام حول مسألة التوحيد ومعرفة الله ، فإنّه يبيّن هنا فصلاً آخر في هذا المجال ، فيقول : (الَّذِى جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلاً وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّن نَّبَاتٍ شَتَّى). وفي مجموع هذه الآية إشارة إلى أربعة أنواع من نعم الله الكبرى.
إنّ هذه النعم الأربع الكبرى تشكّل حسب الترتيب الذي ورد في الآية أولويّات حياة الإنسان ، فقبل كل شيء يحتاج الإنسان إلى محلّ سكن وهدوء ، وبعده إلى طرق المواصلات ، ثم الماء ، ثم المحاصيل الزراعية.
ثم أشار إلى خامس النعم وآخرها من سلسلة النعم الإلهية هذه ، فقال : (كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ).
وفي النهاية ، وبعد أن أشار إلى كل هذه النعم ، قال : (إِنَّ فِى ذلِكَ لَأَيتٍ لِأُولِى النُّهَى).
«النهى» : جمع «نهية» وهي في الأصل مأخوذة من مادة «نهي» مقابل الأمر ، وتعني العقل الذي ينهى الإنسان عن القبائح والسيئات ، يعني إنّ العقل والفكر المسؤول هو الذي يستطيع أن يدرك ويطّلع على هذه الحقيقة.
وبما أنّ هذه الآيات دلّلت على التوحيد بخلق الأرض ونعمها ، فقد بيّنت مسألة المعاد بالإشارة إلى الأرض في آخر آية من هذه الآيات أيضاً فقالت : (مِنْهَا خَلَقْنكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى).
(وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آيَاتِنَا كُلَّهَا فَكَذَّبَ وَأَبَى (٥٦) قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَى (٥٧) فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِداً لَا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنْتَ مَكَاناً سُوًى (٥٨) قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى (٥٩) فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَى (٦٠) قَالَ لَهُمْ مُوسَى وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللهِ كَذِباً فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى (٦١) فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى (٦٢) قَالُوا إِنْ هذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى (٦٣) فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفّاً وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى) (٦٤)