فتقول : (قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِن بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِىُّ).
(فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا).
وما أن وقعت عينه على ذلك المنظر القبيح ، منظر عبادة العجل (قَالَ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا). وهذا الوعد الحسن إمّا أن يكون وعد بني إسرائيل بنزول التوراة وبيان الأحكام السماوية فيها ، أو الوعد بالنجاة والإنتصار على الفراعنة ووراثة حكومة الأرض ، أو الوعد بالمغفرة والعفو للذين يتوبون ويؤمنون ويعملون الصالحات ، أو أنّه كل هذه الامور.
ثم أضاف : (أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ).
وحتى لو نأيت عنكم سنين طويلة فينبغي أن تلتزموا بالتعاليم الإلهية التي تعلّمتموها وتؤمنوا بالمعجزات التي رأيتموها : (أَمْ أَرَدتُّمْ أَن يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مّن رَّبّكُمْ فَأَخْلَفْتُم مَّوْعِدِى). فقد عاهدتكم على أن تثبتوا على خطّ التوحيد وطريق طاعة الله الخالصة ، وأن لا تنحرفوا عنه قيد أنملة ، إلّاأنّكم نسيتم كل كلامي في غيابي ، وكذلك تمردّتم على طاعة أمر أخي هارون وعصيتموه.
فلمّا رأى بنو إسرائيل أنّ موسى عليهالسلام قد عنّفهم بشدة ولامهم على فعلهم وتنبّهوا إلى قبح ما قاموا به من عمل ، هبوا للإعتذار ف (قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا) فلم نكن في الواقع قد رغبنا وصمّمنا على عبادة العجل (وَلكِنَّا حُمّلْنَا أَوْزَارًا مِّن زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذلِكَ أَلْقَى السَّامِرِىُّ).
إنّ كبير القوم إذا لام مَن تحت إمرته على إرتكابهم ذنباً ما ، فإنّهم يسعون إلى نفي ذلك الذنب عنهم ، ويلقونه على عاتق غيرهم ، وكذلك عبّاد العجل من بني إسرائيل ، فإنّهم كانوا قد انحرفوا بإرادتهم ورغبتهم عن التوحيد إلى الشرك ، إلّاأنّهم أرادوا أن يلقوا كل التبعة على السامري.
على كلّ ، فإنّ السامري ألقى كل أدوات زينة الفراعنة وحليّهم التي كانوا قد حصلوا عليها عن طريق الظلم والمعصية ـ ولم يكن لها قيمة إلّاأن تصرف في مثل هذا العمل المحرّم ـ في النّار (فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَدًا لَّهُ خُوَارٌ) (١) فلمّا رأى بنو إسرائيل هذا المشهد ، نسوا فجأةً كل تعليمات موسى التوحيديّة (فَقَالُوا هذَا إِلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسَى).
وبهذا فإنّ السامري قد نسي عهده وميثاقه مع موسى ، وإله موسى : (فَنَسِىَ).
وهنا قال الله سبحانه توبيخاً وملامة لعبدة الأوثان هؤلاء : (أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً وَلَا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلَا نَفَعًا). فإنّ المعبود الواقعي يستطيع على الأقل أن يُلبّي طلبات
__________________
(١) «الخوار» : صوت البقرة والعجل ، ويطلق أحياناً على صوت البعير.