عباده ويجيب على أسئلتهم ، فهل يمكن أن يكون سماع خوار العجل من هذا الجسد الذهبي لوحده ، دليلاً على جواز عبادة العجل ، وصحّة تلك العبادة؟
ولا شك أنّ هارون ، خليفة موسى ونبي الله الكبير ، لم يرفع يده عن رسالته في هذا الصخب والغوغاء ، وأدّى واجبه في محاربة الانحراف والفساد قدر ما يستطيع ، كما يقول القرآن : (وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هرُونُ مِن قَبْلُ يقَوْمِ إِنَّمَا فُتِنتُم بِهِ) ثم أضاف : (وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمنُ).
لقد كنتم عبيداً فحرّركم ، وكنتم أسرى فأطلقكم ، وكنتم ضالين فهداكم ، وكنتم متفرقين مبعثرين فجمعكم ووحّدكم تحت راية رجل رباني ، وكنتم جاهلين فألقى عليكم نور العلم وهداكم إلى صراط التوحيد المستقيم ، فالآن (فَاتَّبِعُونِى وَأَطِيعُوا أَمْرِى).
أنسيتم أنّ أخي موسى قد نصّبني خليفة له وفرض عليكم طاعتي؟ فلماذا تنقضون الميثاق؟ ولماذا ترمون بأنفسكم في هاوية الفناء؟
إلّا أنّ بني إسرائيل تمسكّوا بهذا العجل عناداً ، ولم يؤثّر فيهم المنطق السليم القوي لهذا الرجل ، ولا أدلة هذا القائد الحريص ، وأعلنوا مخالفتهم بصراحة : (قَالُوا لَنْ نَّبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى).
وبهذا لم يذعن بنو إسرائيل لأمر العقل ولا لأمر خليفة قائدهم وزعيمهم أيضاً.
ولكن إفترق عنهم هارون مع القلة من المؤمنين الثابتين ، والذين كان عددهم قرابة إثني عشر ألفاً ، في حين أنّ الأغلبية الجاهلة كادوا أن يقتلوه.
(قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا (٩٢) أَنْ تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي (٩٣) قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي (٩٤) قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ (٩٥) قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي (٩٦) قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لَا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَنْ تُخْلَفَهُ وَانْظُرْ إِلَى إِلهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفاً لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً (٩٧) إِنَّمَا إِلهُكُمُ اللهُ الَّذِي لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً) (٩٨)