نهاية السامري المريرة : تعقيباً على البحث الذي تناولته الآيات السابقة حول تقريع موسى وملامته لبني إسرائيل الشديدة على عبادتهم العجل ، تعكس هذه الآيات التي نبحثها ـ في البداية ـ محاورة موسى عليهالسلام مع أخيه هارون عليهالسلام ، ثم مع السامري. فخاطب أوّلاً أخاه هارون (قَالَ يَا هرُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا * أَلَّا تَتَّبِعَنِ) أفلم أقل لك أن (اخْلُفْنِى فِى قَوْمِى وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ) (١). فلماذا لم تهب لمحاربة عبادة العجل هذه؟
إنّ المراد من جملة (أَلَّا تَتَّبِعَنِ) هو : لماذا لم تتّبع طريقة عملي في شدّة مواجهة عبادة الأصنام؟
ثم أضاف : (أَفَعَصَيْتَ أَمْرِى). لقد كان موسى عليهالسلام يتحدث بهذا الكلام مع أخيه وهو في فورة وسَورةٍ من الغضب ، وكان يصرخ في وجهه ، وقد أخذ برأسه ولحيته يجرّه إليه ، فلمّا رأى هارون غضب أخيه الشديد قال له ـ من أجل تهدئته وليقلّل من فورته ، وكذلك ليبيّن عذره وحجّته في هذه الحادثة ضمناً ... (قَالَ يَبْنَؤُمَّ لَاتَأْخُذْ بِلِحْيَتِى وَلَا بِرَأْسِى إِنّى خَشِيْتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِى إِسْرَاءِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِى).
إنّ هارون يريد أن يقول : إنّي إذا كنت قد أقدمت على الإشتباك معهم كان ذلك خلاف أمرك ، وكان من حقّك أن تؤاخذني. وبهذا أثبت هارون براءته.
وبعد الانتهاء من محادثة أخيه هارون وتبرئة ساحته ، بدأ بمحاكمة السامري : لماذا فعلت ما فعلت ، وما هدفك من ذلك : (قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِىُّ). فأجابه و (قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مّنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذلِكَ سَوَّلَتْ لِى نَفْسِى).
إنّ كلمة «الأثر» يعني بعض تعليمات موسى عليهالسلام ؛ و «نبذتها» بمعنى ترك تعليمات موسى عليهالسلام. وأخيراً فإنّ (بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا) تشير إلى ما كان لديه من معلومات خاصّة عن دين موسى عليهالسلام.
ومن الواضح أنّ جواب السامري عن سؤال موسى عليهالسلام لم يكن مقبولاً بأيّ وجه ، ولذلك فإنّ موسى عليهالسلام أصدر قرار الحكم في هذه المحكمة ، وحكم بثلاثة أحكام عليه وعلى عجله ، فأوّلاً : (قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِى الْحَيَوةِ أَن تَقُولَ لَامِسَاسَ). أي يجب عليك الإبتعاد عن الناس وعدم الإتصال بهم إلى آخر العمر ، فكلما أراد شخص الإقتراب منك ، فعليك أن
__________________
(١) سورة الأعراف / ١٤٢.