تقول له : لا تتصل بي ولا تقربني ، وبهذا الحكم الحازم طرد السامري من المجتمع وجعله في عزلة تامة. منزوياً بعيداً عنهم.
قال بعض المفسرين : إنّ جملة (لَامِسَاسَ) إشارة إلى أحد القوانين الجزائية في شريعة موسى عليهالسلام التي كانت تصدر في حق من يرتكب جريمة كبيرة ، وكان ذلك الفرد يبدو كموجود شرّير نجس قذر ، فلا يخالط أحداً أو يخالطه أحد (١).
والعقاب الثاني : إنّ موسى عليهالسلام قد أسمعه وأعلمه بجزائه في القيامة فقال : (وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَّن تُخْلَفَهُ).
والثالث : (وَانظُرْ إِلَى إِلهِكَ الَّذِى ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَّنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِى الْيَمّ نَسْفًا).
وشخّص موسى في آخر جملة ، ومع التأكيد الشديد على مسألة التوحيد ، وحاكمية نهج الله ، فقال : (إِنَّمَا إِلهُكُمُ اللهُ الَّذِى لَاإِلهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَىْءٍ عِلْمًا). فليس هو كالأوثان المصنوعة التي لا تسمع كلاماً ، ولا تجيب سائلاً ، ولا تحلّ مشكلة ، ولا تدفع ضرّاً.
(كَذلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْراً (٩٩) مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْراً (١٠٠) خَالِدِينَ فِيهِ وَسَاءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلاً (١٠١) يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقاً (١٠٢) يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْراً (١٠٣) نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْماً) (١٠٤)
مع أنّ الآيات السابقة كانت تتحدث حول تاريخ موسى وبني إسرائيل والفراعنة والسامري المليء بالحوادث ، وقد بيّنت في طيّاتها بحوثاً مختلفة ، فإنّ القرآن الكريم بعد الانتهاء منها يستخلص نتيجة عامة فيقول : (كَذلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِن أَنبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ). ثم يضيف : (وَقَدْءَاتَيْنَاكَ مِن لَّدُنَّا ذِكْرًا) قرآناً مليئاً بالدروس والعبر ، والأدلّة العقلية ، وأخبار الماضين وما ينبّه المقبلين ويحذّرهم.
إنّ كلمة (ذكر) هنا ، وفي آيات كثيرة اخرى من آيات القرآن الكريم تشير إلى القرآن نفسه ، لأنّ آياته سبب لتذكّر وتذكير البشر ، والوعي والحذر.
ولهذا السبب فإنّ الآية التالية تتحدث عن الذين ينسون حقائق القرآن ودروس التاريخ
__________________
(١) تفسير في ظلال القرآن ٥ / ٤٩٤.