ثم تقول من أجل زيادة التأكيد : (لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ) لأنّهم في الظاهر يتخذون كل المسائل الجدية لهواً ولعباً. ومن الطبيعي أنّ مثل هؤلاء الأشخاص سوف لا يجدون طريق السعادة ، ولا يوفّقون إليه.
ثم تشير إلى جانب من الخطط الشيطانية فتقول : (وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هذَا إِلَّا بَشَرٌ مّثْلُكُمْ). وإذا لم يكن سوى بشر إعتيادي ، فلابد أن تكون أعماله الخارقة ونفوذ كلامه سحراً ، ولا يمكن أن يكون شيئاً آخر : (أَفَتَأْتُونَ السّحْرَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ).
إنّ هؤلاء قد أكّدوا على مسألتين في أقوالهم : إحداهما : كون النبي صلىاللهعليهوآله بشراً ، (والاخرى :) تهمة السحر ، وستأتي الإتهامات الاخرى في الآيات التالية أيضاً ، ويتصدّى القرآن الكريم لجوابها.
إلّا أنّ القرآن يجيبهم بصورة عامة على لسان النبي صلىاللهعليهوآله فيقول : (قَالَ رَبّى يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِى السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ) فلا تتصوروا أنّ نجواكم ومؤامراتكم المخفية تخفى عليه (وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) فهو يعلم كل شيء ، ومطلع على كل شيء ، فلا يسمع كلامكم وحسب ، بل هو مطلع حتى على الأفكار التي تمرّ في أذهانكم ، والقرارات التي في صدوركم.
بعد ذكر نوعين من تذرّعات المخالفين ، يتطرق القرآن إلى ذكر أربعة أنواع اخرى منها ، فيقول : (بَلْ قَالُوا أَضْغثُ أَحْلمٍ) (١) وهم يعتقدون أنّها حقيقة.
وقد يغيّرون كلامهم هذا أحياناً فيقولون : (بَلِ افْتَرَيهُ) ونسبه إلى الله.
ويقولون أحياناً : (بَلْ هُوَ شَاعِرٌ) ، وهذه الآيات مجموعة من خيالاته الشعرية.
وفي المرحلة الرابعة يقولون : إنّا نتجاوز عن كل ذلك فإذا كان مرسلاً من الله حقّاً (فَلْيَأْتِنَا بَايَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ).
إنّ التحقيق في هذه الإدّعاءات المتضادة المتناقضة في حق النبي صلىاللهعليهوآله سيوضّح أنّها بنفسها دليل على أنّهم لم يكونوا طلّاب حق ، بل كان هدفهم خلق الأعذار ، وإخراج خصمهم من الحلبة بأيّة قيمة وثمن ، وبأيّ صورة كانت.
__________________
(١) «أضغاث» : جمع ضِغْث ، وهو حزمة الحطب أو الأعشاب اليابسة وما شاكل ذلك ؛ و «الأحلام» : جمع حُلم وهو المنام والرؤية ، ولمّا كان جمع حزمة حطب يحتاج أن يجمعوا عدّة أشياء متفرّقة إلى بعضها ، فإنّ هذا التعبير اطلق على المنامات المضطربة المتفرّقة.