(مَا آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ (٦) وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (٧) وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَداً لَا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ (٨) ثُمَّ صَدَقْنَاهُمُ الْوَعْدَ فَأَنْجَيْنَاهُمْ وَمَنْ نَشَاءُ وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ (٩) لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ) (١٠)
كل الأنبياء كانوا بشراً : قلنا : إنّ ستّة إشكالات وإيرادات قد اعيد ذكرها في الآيات السابقة ، وهذه الآيات التي نبحثها تجيب عنها ، تارةً بصورة عامّة جامعة ، واخرى تجيب عن بعضها بالخصوص. أشارت الآية الاولى إلى المعجزات المقترحة لُاولئك ، ونقصد منها : المعجزات المقترحة حسب أهوائهم تذرّعاً ، فتقول : إنّ جميع المدن والقرى التي أهلكناها سابقاً كانت قد طلبت مثل هذه المعاجز ، ولكن لمّا استجيب طلبهم كذّبوا بها ، فهل يؤمن هؤلاء؟ : (مَاءَامَنَتْ قَبْلَهُم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ). وهي تنذرهم بصورة ضمنية بأنّ الآيات لو تحقّقت على ما إقترحتم ثم لم تؤمنوا ، فإنّ فناءكم حتمي!
ثم تطرّقت الآية التالية إلى جواب الإشكال الأوّل ـ خاصةً ـ حول كون النبي صلىاللهعليهوآله بشراً ، فتقول : إنّك لست الوحيد في كونك نبيّاً ، وفي نفس الوقت أنت بشر (وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالاً نُّوحِى إِلَيْهِمْ) فإنّ هذه حقيقة تاريخية يعرفها الجميع (فَسَلُوا أَهْلَ الذّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ).
لا شكّ أنّ (أَهْلَ الذّكْرِ) تشمل من الناحية اللغوية كل العلماء والمطلعين ، والآية أعلاه تبيّن قانوناً عقلائياً عاماً في مسألة (رجوع الجاهل إلى العالم) فإنّ مورد ومصداق الآية وإن كان علماء أهل الكتاب ، إلّاأنّ هذا لا يمنع من عمومية القانون ، ولهذه العلة إستدلّ علماء وفقهاء الإسلام بهذه الآية في مسألة «جواز تقليد المجتهدين المسلمين».
ثم تعطي الآية التالية توضيحاً أكثر حول كون الأنبياء بشراً ، فتقول : (وَمَا جَعَلْنهُمْ جَسَدًا لَّايَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا كَانُوا خلِدِينَ).
لا شك في أنّه يجب أن يكون قائد البشر ومرشدهم من جنسهم ، بنفس تلك الغرائز والعواطف والأحاسيس والحاجات والعلاقات حتى يحسّ بآلامهم وعذابهم ، ولينتخب