أفضل طرق العلاج باستلهامه من معلوماته ليكون قدوة واسوة لكل البشر ، ويقيم الحجة على الجميع.
ثم تحذّر الآية وتهدّد المنكرين المتعصبين العنودين ، فتقول : إنّا كنّا قد وعدنا رسلنا بأن ننقذهم من قبضة الأعداء ، ونبطل كيد اولئك الأشرار (ثُمَّ صَدَقْنهُمُ الْوَعْدَ فَأَنجَيْنهُمْ وَمَن نَّشَاءُ وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ).
أجل ، فكما أنّ سنّتنا كانت إختيار قادة البشر من بين أفراد البشر ، كذلك كانت سنّتنا أن نحميهم من مكائد المخالفين ، وإذا لم تؤثّر المواعظ والنصائح المتلاحقة أثرها في المخالفين ، فإنّنا سنطهّر الأرض من وجودهم القذر.
أمّا آخر آية من الآيات مورد البحث ، فتجيب ـ مرّة اخرى ـ في جملة قصيرة عميقة المعنى عن أكثر إشكالات المشركين ، فتقول : (لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ). فإنّ كل من يتدبّر آيات هذا الكتاب الذي هو أساس التذكّر وحياة القلب ، وحركة الفكر ، وطهارة المجتمع ، سيعلم جيداً أنّه معجزة واضحة وخالدة ، ومع وجود هذه المعجزة البينة التي تظهر فيها آثار الإعجاز من جهات مختلفة ... من جهة الجاذبية الخارقة ، ومن جهة المحتوى ، الأحكام والقوانين ، العقائد والمعارف ، و... فهل لا زلتم بإنتظار معجزة اخرى؟
إنّ كون القرآن موقظاً ومنبّهاً لا يعني إجباره الناس على هذا الوعي ، بل إنّ الوعي مشروط بأن يريد الإنسان ويصمّم ، وأن يفتح نوافذ قلبه أمام القرآن.
(وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْماً آخَرِينَ (١١) فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ (١٢) لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ (١٣) قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (١٤) فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيداً خَامِدِينَ) (١٥)
كيف وقع الظالمون في قبضة العذاب : تبيّن هذه الآيات مصير المشركين والكافرين مع مقارنته بمصير الأقوام الماضين ، وذلك بعد البحث الذي مرّ حول هؤلاء. فتقول الآية الاولى : (وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًاءَاخَرِينَ).