والمراد من النفس في الآيات التي نبحثها هو المعنى الثاني.
وبعد ذكر قانون الموت الكلّي يطرح هذا السؤال ، وهو : ما هو الهدف من هذه الحياة الزائلة؟ وأيّ فائدة منها؟
فيقول القرآن حول هذا الكلام : (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ). أي : إنّ مكانكم الأصلي ليس هو هذه الدنيا ، بل هو مكان آخر ، وإنّما تأتون هنا لتؤدّوا الإختبار والامتحان ، وبعد إكتسابكم التكامل اللازم سترجعون إلى مكانكم الأصلي وهو الدار الآخرة.
(وَإِذَا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً أَهذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمنِ هُمْ كَافِرُونَ (٣٦) خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ (٣٧) وَيَقُولُونَ مَتَى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (٣٨) لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لَا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلَا عَنْ ظُهُورِهِمْ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (٣٩) بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ) (٤٠)
نواجه في هذه الآيات مرّة اخرى ، بحوثاً اخرى حول موقف المشركين من رسول الله صلىاللهعليهوآله ، حيث يتّضح نمط تفكيرهم المنحرف في المسائل الاصولية ، فتقول أوّلاً : (وَإِذَا رَءَاكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا). فهؤلاء لا عمل لهم إلّاالسخرية والإستهزاء ، ويشيرون إليك بعدم إكتراث ويقولون : (أَهذَا الَّذِى يَذْكُرُءَالِهَتَكُمْ وَهُم بِذِكْرِ الرَّحْمنِ هُمْ كفِرُونَ).
ممّا يثير العجب هو إنّه لو إزدرى أحدٌ هذه الأصنام الخشبية والحجرية (وما هو بمزدرٍ لها ، بل يُفصح عن حقيقتها) فيقول : إنّ هذه موجودات لا روح فيها ولا شعور ولا قيمة لها ، لتعجّبوا منه ، أمّا إذا جحد أحدهم ربّه الرحمن الرحيم الذي عمّت آثار رحمته وعظمته الأرض والسماء وما من شيء إلّاوفيه دليل على عظمته ورحمته ، لما أثار إعجابهم.
ثم تشير إلى أمر آخر من الامور القبيحة لدى هذا الإنسان المتحلّل ، فتقول : (خُلِقَ الْإِنسنُ مِنْ عَجَلٍ).