(قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ (٦٨) قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ (٦٩) وَأَرَادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ) (٧٠)
عندما تصير النار جنة : مع أنّ عبدة الأوثان اسقط ما في أيديهم نتيجة إستدلالات إبراهيم العلمية والمنطقية ، إلّاأنّ عنادهم وتعصبهم الشديد منعهم من قبول الحق ، ولذلك فلا عجب من أن يتخذوا قراراً صارماً وخطيراً في شأن إبراهيم. يقول القرآن الكريم : (قَالُوا حَرّقُوهُ وَانصُرُواءَالِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فعِلِينَ).
فقد قالوا الكثير من أمثال هذه الخزعبلات وأثاروا الناس ضدّ إبراهيم بحيث إنّهم لم يكتفوا بعدّة حزم من الحطب تكفي لإحراق عدّة أشخاص ، بل أتوا بآلاف الحزم وألقوها حتى صارت جبلاً من الحطب. فقد القي إبراهيم في النار وسط زغاريد الناس وسرورهم وصراخهم ، وقد أطلقوا أصوات الفرح ظانّين أنّ محطّم الأصنام قد فني إلى الأبد وأصبح تراباً ورماداً.
لكن الله الذي بيده كل شيء حتى النار لا تحرق إلّابإذنه ، شاء أن يبقى هذا العبد المؤمن المخلص سالماً من لهب تلك النار الموقدة ليضيف وثيقة فخر جديدة إلى سجل إفتخاراته ، وكما يقول القرآن الكريم : (قُلْنَا يَا نَارُ كُونِى بَردًا وَسَلمًا عَلَى إِبْرهِيمَ).
لا شك أنّ أمر الله هنا كان أمراً تكوينياً ، كالأمر الذي يصدره في عالم الوجود إلى الشمس والقمر ، والأرض والسماء ، والماء والنار ، والنباتات والطيور.
والمعروف أنّ النار قد بردت برداً شديداً إصطكّت أسنان إبراهيم منه ، وحسب قول بعض المفسرين : إنّ الله سبحانه لو لم يقل : سلاماً ، لمات إبراهيم من شدة البرد.
ويقول الله سبحانه في آخر آية من الآيات محل البحث على سبيل الاستنتاج بإقتضاب : أنّهم تآمروا عليه ليقتلوه ولكن النتيجة لم تكن في صالحهم (وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ).
لا يخفى أنّ الوضع قد إختلف تماماً ببقاء إبراهيم سالماً ، وخمدت أصوات الفرح. غير أنّ العناد ظلّ مانعاً من قبول الحق ، وإن كان أصحاب القلوب الواعية قد استفادوا من هذه الواقعة ، وزاد إيمانهم مع قلّتهم.