ثم يذكر في المرحلة التالية ثمرة هذا المقام ، فيقول : (يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا) ولا يعني بالهداية الإرشاد وبيان الطريق الصحيح ، والذي هو من شأن النبوّة والرسالة.
أمّا الموهبة الثالثة والرابعة والخامسة فقد عبّر عنها القرآن بقوله : (وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَوةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَوةِ).
وفي آخر فصل أشار إلى مقام العبودية ، فقال : (وَكَانوا لَنَا عبِدِينَ) (١). والتعبير ب «كانوا» الذي يدلّ على الماضي المستمر في هذا المنهج ، ربّما كان إشارة إلى أنّ هؤلاء كانوا رجالاً صالحين موحدين مؤهّلين حتى قبل الوصول إلى مقام النبوة والإمامة ، وفي ظلّ ذلك المخطّط وهبهم الله سبحانه مواهب جديدة.
(وَلُوطاً آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ تَعْمَلُ الْخَبَائِثَ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ (٧٤) وَأَدْخَلْنَاهُ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ) (٧٥)
نجاة لوط من أرض الفجّار : لمّا كان لوط من أقرباء إبراهيم وذوي أرحامه ، ومن أوائل من آمن به ، فقد أشارت الآيتان بعد قصة إبراهيم عليهالسلام إلى جانب من إجتهاده وسعيه في طريق إبلاغ الرسالة ، والمواهب التي منحها الله سبحانه له ، فتقول : (وَلُوطًاءَاتَيْنهُ حُكْمًا وَعِلْمًا).
لفظة «الحكم» جاءت في بعض الموارد بمعنى أمر النبوة والرسالة.
والمراد من العلم كل العلوم التي لها أثر في سعادة ومصير الإنسان.
لقد كان لوط من الأنبياء العظام وكان معاصراً لإبراهيم ، وهاجر معه من أرض بابل إلى فلسطين ، ثم فارق إبراهيم وجاء إلى مدينة (سدوم) لأنّ أهلها كانوا غارقين في الفساد والمعاصي ، وخاصةً الانحرافات الجنسية ، وقد سعى كثيراً من أجل هداية هؤلاء القوم ، وتحمل المشاق في هذا الطريق ، إلّاأنّه لم يؤثّر في اولئك العُمي القلوب.
وأخيراً ، نعلم أنّ الغضب والعذاب الإلهي قد حلّ بهؤلاء ، وقلب عالي مدينتهم سافلها ، واهلكوا جميعاً ، إلّاعائلة لوط باستثناء امرأته.
__________________
(١) تقديم كلمة (لنا) على (عابدين) يدلّ على الحصر ، وإشارة إلى مقام التوحيد الخالص ، لهؤلاء المقدّمين الكبار ، أي إنّ هؤلاء كانوا يعبدون الله فقط.