ولذلك أشارت الآية إلى هذه الموهبة التي وهبت للوط ، وهي : (وَنَجَّيْنهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِى كَانَت تَّعْمَلُ الْخَبَائِثَ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فسِقِينَ).
والتعبير ب «الخبائث» بصيغة الجمع ، إشارة إلى أنّهم إضافة إلى فعل اللواط الشنيع ، كانوا يعملون أعمالاً قبيحة وخبيثة اخرى.
والتعبير ب «الفاسقين» بعد «قوم سوء» ربّما يكون إشارة إلى أنّ اولئك كانوا فاسقين من وجهة نظر القوانين الإلهية ، وحتى مع قطع النظر عن الدين والإيمان ، فإنّهم كانوا أفراداً حمقى ومنحرفين في نظر المعايير الإجتماعية بين الناس.
ثم أشارت الآية إلى آخر موهبة إلهية للنبي لوط ، فقالت : (وَأَدْخَلْنهُ فِى رَحْمَتِنَا إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ).
(وَنُوحاً إِذْ نَادَى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (٧٦) وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ) (٧٧)
نجاة نوح من القوم الكافرين : بعد ذكر جانب من قصّة إبراهيم وقصة لوط عليهماالسلام ، تطرّقت السورة إلى ذكر جانب من قصة نبي آخر من الأنبياء الكبار ـ أي : نوح عليهالسلام ـ فقالت : (وَنُوحًا إِذْ نَادَى مِن قَبْلُ). أي قبل إبراهيم ولوط.
إنّ هذا النداء ـ ظاهراً ـ إشارة إلى الدعاء واللعنة التي ذكرت في الآية (٢٦ و ٢٧) من سورة نوح أو إنّه إشارة إلى الجملة التي وردت في الآية (١٠) من سورة القمر.
ثم تضيف الآية : (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ).
إنّ للأهل ـ هنا ـ معنى وسيعاً يشمل أهله المؤمنين وخواص أصحابه ، وعلى هذا فإنّ الذين اعتنقوا دين نوح يعدّون في الواقع من عائلته وأهله.
«الكرب» : تعني الغمّ الشديد ، وهي في الأصل مأخوذة من تقليب الأرض وحفرها ، لأنّ الغمّ الشديد يقلب قلب الإنسان ، ووصفه بالعظيم يكشف عن منتهى كربه وأساه.
وأيّ كرب أعظم من أن يدعو قومه إلى دين الحق (٩٥٠) عاماً ، كما صرّح القرآن بذلك ، لكن لم يؤمن به خلال هذه المدة الطويلة إلّاثمانون شخصاً.
وتضيف الآية التالية : (وَنَصَرْنهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بَايَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ