المحدودة ، فإنّهم ينالون كل نعمة يريدونها ، مادية كانت أو معنوية ، وليس ذلك على مدى يوم أو يومين ، بل على إمتداد الخلود.
والثالثة : إنّهم (لَايَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ). وقد اعتبر بعضهم أنّ هذا الفزع الأكبر إشارة إلى أهوال يوم القيامة التي هي أكبر من كل هول وفزع.
والرابعة : من ألطاف الله تعالى لهؤلاء هو ما ذكرته الآية محلّ البحث : (وَتَتَلَقهُمُ الْمَلِكَةُ هذَا يَوْمُكُمُ الَّذِى كُنتُمْ تُوعَدُونَ).
(يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ) (١٠٤)
يوم تطوى السماء : قرأنا في آخر آية من الآيات السابقة أنّ المؤمنين آمنون من الفزع الأكبر وهمّه ، وتجسّم هذه الآية رعب ذلك اليوم العظيم ، وفي الحقيقة تبيّن وتجسّد علة عظمة وضخامة هذا الرعب ، فتقول : (يَوْمَ نَطْوِى السَّمَاءَ كَطَىّ السّجِلّ لِلْكُتُبِ) (١).
وفي هذه الآية تشبيه لطيف لطيّ سجل عالم الوجود عند إنتهاء الدنيا ، ففي الوقت الحاضر فإنّ هذا السجل مفتوح ، وتقرأ كل رسومه وخطوطه ، وكل منها في مكان معين ، أمّا إذا صدر الأمر الإلهي بقيام القيامة فإنّ هذا السجل العظيم سيطوى بكل رسومه وخطوطه.
ثم تضيف : (كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ).
وفي النهاية تقول الآية : (وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فعِلِينَ).
ويستفاد من بعض الروايات أنّ المراد من رجوع الناس إلى الحالة الاولى ، هو أنّهم يرجعون حفاة عراة مرّة اخرى كما كانوا في بداية الخلق. وهذا أحد صور رجوع الخلق إلى الصورة الاولى.
(وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ (١٠٥) إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِّقَوْمٍ عَابِدِينَ) (١٠٦)
سيحكم الصالحون الأرض : بعد أن أشارت الآيات السابقة إلى جانب من ثواب المؤمنين الصالحين ، فقد أشارت السورة في هاتين الآيتين إلى أحد أوضح المكافآت الدنيوية لهؤلاء ،
__________________
(١) «السَجْل» : الدلو العظيمة ؛ و «السّجِلّ» حجر كان يكتب فيه ، ثم سمّي كل ما يكتب فيه سجلاً.