جدالاً خاوياً لا أساس له ، في البداية يقول القرآن المجيد : (وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجدِلُ فِى اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتبٍ مُّنِيرٍ).
وعبارة (وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجدِلُ فِى اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ) هي ذاتها التي ذكرت في آية سابقة ، والآية السابقة الذكر دالة على وضع الأتباع الضالين الغافلين ، في وقت تكون فيه هذه الآية دالة على قادة هذه المجموعة الضالة.
إنّ «العلم» إشارة إلى الاستدلال العقلي ؛ و «الهدى» إشارة إلى إرشاد القادة الربانيين ؛ و «الكتاب المنير» إشارة إلى الكتب السماوية ، أي أنّها تعني الأدلة الثلاثة المعروفة «الكتاب» و «السنّة» و «الدليل العقلي».
ثم يتطرّق القرآن المجيد في جملة قصيرة عميقة المعنى إلى أحد أسباب ضلال هؤلاء القادة ، فيقول : (ثَانِىَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللهِ). إنّهم يريدون أن يضلّوا الناس عن سبيل الله بغرورهم وعدم إهتمامهم بكلام الله وبالأدلّة العقليّة الواضحة.
«ثاني» : مشتقة من «ثني» بمعنى التواء ؛ و «عطف» : تعني «جانب» فالجملة تعني ثني الجانب ، أي الإعراض عن الشيء وعدم الإهتمام به.
ويعقّب القرآن ذلك ببيان عقابهم الشديد في الدنيا والآخرة بهذه الصورة : (لَهُ فِى الدُّنْيَا خِزْىٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيمَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ).
ونقول له : (ذلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلمٍ لّلْعَبِيدِ). لا يعاقب الله أحداً بلا ذنب ، ولا يضاعف عقاب أحد دون سبب ، فهو العدل المطلق سبحانه (١).
(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (١١) يَدْعُو مِنْ دُونِ اللهِ مَا لَا يَضُرُّهُ وَمَا لَا يَنْفَعُهُ ذلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ (١٢) يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ (١٣) إِنَّ اللهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ إِنَّ اللهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ) (١٤)
__________________
(١) «ظلّام» : صيغة مبالغة تعني كثير الظلم. وطبيعي أنّ الله لا يظلم أبداً لا كثيراً ولا قليلاً ، ويمكن أن يكون استخدام هذا التعبير هنا إشارة إلى أنّ العقاب دون مبرّر من قبل الله تعالى ـ جلّ عن ذلك وعلا علوّاً كبيراً ـ مصداق ظلم كبير.