أوّلهما : جهاد المظلوم للظالم ، وهو من حقوقه المؤكدة والطبيعية ، التي يؤكّدها عقل الإنسان وفطرته. وليس له أن يستسلم للظلم.
وثانيهما : جهاد الطواغيت الذين ينوون محو ذكر الله من القلوب بتهديم المعابد التي هي مراكز لبثّ الوعي وإيقاظ الناس.
(وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَثَمُودُ (٤٢) وَقَوْمُ إِبْرَاهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ (٤٣) وَأَصْحَابُ مَدْيَنَ وَكُذِّبَ مُوسَى فَأَمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ (٤٤) فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ) (٤٥)
لقد صدر أمر الجهاد للمسلمين بعد أن ذاقوا ـ كما ذكرت الآيات السابقة ـ وقد طمأنت الآيات ـ موضع البحث ـ الرسول صلىاللهعليهوآله والمؤمنين وخفّفت عنهم من جهة ، وبيّنت لهم أنّ العاقبة السيئة تنتظر الكفرة من جهة اخرى ، فقالت : (وَإِن يُكَذّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَثَمُودُ). أي إذا كذّبك هؤلاء القوم فلا تبتئس ولا تحزن ، فالأقوام السابقة قد كذّبت رسلها أيضاً ، وأضافت : (وَقَوْمُ إِبْرهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ).
وكذلك كذّب أهالي مدينة «مدين» نبيّهم «شعيب» ، وكذّب فرعون وقومه نبيّهم «موسى» (وَأَصْحبُ مَدْيَنَ وَكُذّبَ مُوسَى).
وإنّ هذه المعارضة والتكذيب لن تؤثّر في روحك الطاهرة ونفسك المطمئنة ، مثلما لم تؤثّر في أنبياء كبار قبلك ولم تعق مسيرتهم التوحيدية ودعوتهم إلى الحق والعدل قطّ.
إلّا أنّ هؤلاء الكفرة الأغبياء يتصورون إمكانية مواصلة هذه الأساليب المخزية. (فَأَمْلَيْتُ لِلْكفِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ). أجل ، أمهل الله الكافرين ليؤدّوا إمتحانهم وليتمّ الحجة عليهم فأغرقهم بنِعَمه ، ثم حاسبهم حساباً عسيراً. (فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ) (١) ورأيت كيف أنكرت عليهم أعمالهم ، وبيّنت لهم أعمالهم القبيحة ، لقد سلبت منهم نعمتي وجعلتهم على أسوأ حال ... سلبت سعادتهم الدنيوية وعوّضتهم بالموت.
__________________
(١) «النكير» : تعني الإنكار وهنا تعني فرض العقاب.