لهدّمت أديرة وصوامع ومعابد اليهود والنصارى والمساجد التي يذكر فيها اسم الله كثيراً.
وكل دعوة لعبادة الله وتوحيده مضادّة للجبابرة الذين يريدون أن يعبدهم الناس تشبّهاً منهم بالله تعالى ، لهذا يهدّمون أماكن توحيد الله وعبادته ، وهذا من أهداف تشريع الجهاد والإذن بمقاتلة الأعداء.
«الصوامع» : جمع «صومعة» وهي عادةً مكان خارج المدينة بعيد عن أعين الناس مخصّص لمن ترك الدنيا من الزهّاد والعبّاد. و «البِيَع» : جمع بيعة بمعنى معبد النصارى ، ويطلق عليها كنيسة أيضاً. و «الصلوات» : جمع صلاة ، بمعنى معبد اليهود ، ويرى البعض أنّها معرّبة لكلمة «صلوتا» العبرية ، التي تعني المكان المخصّص بالصلاة. وأمّا «المساجد» : فجمع مسجد ، وهو موضع عبادة المسلمين. والصوامع والبيع ، رغم أنّها تخصّ النصارى ، إلّاأنّ إحداهما معبد عام والاخرى لمن ترك الدنيا.
وفي الختام أكّدت هذه الآية ثانية وعد الله بالنصر : (وَلَيَنصُرَنَّ اللهُ مَن يَنصُرُهُ) ولا شكّ في إنجاز هذا الوعد ، لأنّه من رب العزة القائل : (إِنَّ اللهَ لَقَوِىٌّ عَزِيزٌ) ، من أجل ألّا يتصوّر المدافعون عن خطّ التوحيد أنّهم وحيدون في ساحة قتال الحقّ للباطل ، ومواجهة جموع كثيرة من الأعداء الأقوياء.
وآخر آية تفسّر المراد من أنصار الله الذين وعدهم بنصره في الآية السابقة ، وتقول : (الَّذِينَ إِن مَّكَّنهُمْ فِى الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَوةَ وَءَاتَوُا الزَّكَوةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ).
إنّهم فئة لا تلهو ولا تلعب كالجبابرة بعد انتصارها ، ولا يأخذها الكبر والغرور ، إنّما ترى النصر سلّماً لإرتقاء الفرد والجماعة ، إنّها لن تتحوّل إلى طاغوت جديد بعد وصولها إلى السلطة ، لإرتباطها القوي بالله ، والصلاة رمز هذا الإرتباط بالخالق ، والزكاة رمز للإلتحام مع الخلق ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر دعامتان قويّتان لبناء مجتمع سليم ، وهذه الصفات الأربع تكفي لتعريف هؤلاء الأفراد ، ففي ظلّها تتمّ ممارسة سائر العبادات والأعمال الصالحة ، وترسم بذلك خصائص المجتمع المؤمن المتطوّر.
وتقول الآية في ختامها : (وَلِلَّهِ عقِبَةُ الْأُمُورِ). وتعني أنّ بداية أيّ قدرة ونصر من الله تعالى ، وتعود كلّها في الأخير إليه ثانية.
وقد أشارت هذه الآيات إلى أمرين مهمّين في فلسفة الجهاد :