وَلكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِى فِى الصُّدُورِ).
إنّ الذين يفقدون بصرهم لا يفقدون بصيرتهم ، بل تراهم أحياناً أكثر وعياً من الآخرين. أمّا العمي الحقيقيون فهم الذين تعمى قلوبهم ، فلا يدركون الحقيقة أبداً. في تفسير القمي عن رسول الله صلىاللهعليهوآله : «شرّ العمى ، عمى القلب». وفي الكافي : «وأعمى العمى عمى القلب».
وترسم الآية الثانية ـ موضع البحث ـ صورة اخرى لجهل الأغبياء وعديمي الإيمان فتقول : (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ) فردّ عليهم ألّا تعجلوا (وَلَن يُخْلِفَ اللهُ وَعْدَهُ).
فلا فرق عنده بين الساعة واليوم والسنة : (وَإِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ).
وفي آخر آية نجد تأكيداً على ما سبق أن ذكرته الآيات الآنفة الذكر من إنذار الكفار المعاندين بأنّه ما أكثر القرى والبلاد التي أمهلناها ولم ننزل العذاب عليها ليفيقوا من غفلتهم ، ولمّا لم يفيقوا وينتبهوا أمهلناهم مرّة اخرى ليغرقوا في النعيم والرفاهية ، وفجأةً نزل عليهم العذاب : (وَكَأَيّن مّن قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِىَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا).
إنّ اولئك الأقوام كانوا مثلكم يشكون من تأخّر العذاب عليهم ، ويسخرون من وعيد الأنبياء ، ولا يرونه إلّاباطلاً ، إلّاأنّهم ابتلوا بالعذاب أخيراً ولم ينفعهم صراخهم أبداً (وَإِلَىَّ الْمَصِيرُ). أجل كل الامور تعود إلى الله ، وتبقى جميع الثروات فيكون الله وارثها.
(قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (٤٩) فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (٥٠) وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ) (٥١)
تحدثت الآيات السابقة عن تعجيل الكفر والعذاب الإلهي ، وإنّ ذلك ليس من شأن النبي صلىاللهعليهوآله وإنّما يرتبط بمشيئة الله تعالى ، فأوّل آية من الآيات أعلاه تقول : (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ).
وترسم (الآيتان التاليتان) صورةً للبشرى واخرى للإنذار ، لأنّ رحمة الله واسعة ، فتقدم على عقاب الله. تتحدّث أوّلاً عن البشرى : (فَالَّذِينَءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ). يتطهّرون بماء المغفرة الإلهية أوّلاً ، فتطمئن ضمائرهم ، ثم تشملهم نعم الله ورحمته.
عبارة «رزق كريم» ذات مفهوم واسع يضمّ جميع الأنعم المادية والمعنوية.